حين تتباعد الآراء وتزداد الحروب الباردة وتتنافر التوجهات وتحلُّ المعضلات بقومٍ فإن هذا يعني تدخلاً سريعاً من العاقل الرزين الحكيم الذي إذا تحدّث صمت الجميع فيجمع الشمل ويلّم الشّتات ويداري خلاف الضدين ليضعها عند نقطة انطلاقة صحيحة واحدة ليبعث بها الأمل، ويهدئ من خلالها الاحتقان ويلزم كل طرف حدوده في إطارٍ يخدم الصالح العام ويقوّي من خلالها حبال تواصلهم ليكونوا كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا. هكذا هم الكبار لا تعنيهم الصغائر ولا تؤثر فيهم العواصف مهما بلغت، فهم الملاذ بعد الله حين تحتدم الخلافات والاختلافات، ويفقد كلّ طرفٍ صوابه، فهم من يقود إلى الامام ولا ينظرون الى الخلف؛ لأنّ اجترار الماضي كما يقال نقص في العقل!. نادي الاتحاد عميد الأندية السعودية يعاني في هذه المرحلة غياب "كبير القوم" بعد ابتعاد الرمز الأمير طلال بن منصور "شفاه الله" ومن بعده الشيخ إبراهيم افندي وأخيراً الامير خالد بن فهد فاستشرت بين محبيه الخلافات الطاحنة، وأحدثت انقساماً خطيراً في التوجهات بين الضدين وتحولت بوصلتها بعيداً عن إطار مصلحة الكيان، ووصلت إلى ما هو أبعد من ذلك، ونشأت حوله الأخطار وسنحت لمروجي الشائعات الفرصة، وتهيأت الساحة للمنتفعين والشامتين والمتربصين فيما امتلأت قلوب المحبين الصادقين المخلصين للكيان حسرة وألماً وهم يراقبون شيخهم الثمانيني الوقور يقف على هوة جبل شامخ، ينتظرون سقوطه الذي لا ينهض بعده، يراقبون المشهد لعلّهم يجدون كبيرا يركنون إليه كما ركنوا في الماضي لتلك القامات التي أسست وأنقذت ونحتت في الصخر، ودعمت من دون منّة، ورعت كل مسيرته الزاهرة ولكن بلا جدوى. فالدكتور خالد المرزوقي رئيس أعضاء الشرف مع التقدير والاحترام لما يقدمه من اجتهادات في سبيل إعادة الأمور إلى نصابها إلاّ انّه يراقب المشهد دون سطوة (نظامية أو غير نظامية) تعيد طرفي الخلاف والاختلاف عند نقطة انطلاقة واحدة عنوانها الرئيس مصلحة الكيان أولاً وعاشراً! ظهر منصور البلوي وهو إحدى القامات التي يشار إليها بالبنان وعضو شرفه المؤثر مدافعاً عن نفسه من اتهامات طالته من إحدى الصحف، ونجح وبالأدلة في إبطال لبس هذه الاتهامات، وكانت الجماهير الاتحادية تمنّي النفس أن يخصص جزءاً من هذا الظهور لرأب الصدع، وبدء خطاب توافقي متزن يبعث الأمل لتغليب مصلحة الاتحاد ومستقبله في ظل هذه الظروف العصيبة على أي أمر آخر، إلاّ أنّه خيّب أملها وظهر متشنجاً متظاهراً بالاستياء والامتعاض، وكان سيُعذر لو كان ذلك بسبب ما نّشر في إحدى الصحف، ولكنه تجاوز ذلك واتبع سياسة "الارض المحروقة " ومبدأ عليّ وعلى أعدائي، وبما يصح وما لا يصح، ما أصاب الاتحاديين الذين كانوا يتمنون أن يكون ظهوراً مختلفاً فتهاوت آمالهم التي كانت معلقة بأن يكون هو الكبير الذين بحثوا عنه لاحتواء أزمتهم ولكن..!! أكتب مقالي هذا قبل بدء انتخابات الاتحاديين لرئيسهم الثامن خلال الخمس السنوات الأخيرة، ولا أعلم من كسب كعكي أم البلوي المتنافسان البارزان بين المرشحين الخمسة للرئاسة، ولكن إن كان هذا أم ذاك فلن يكون حلاً جذريا لحل مشاكل الاتحاد، طالما غاب الكبير القوي الشرس الذي يكون صوته نافذاً ومؤثراً في الجميع لما يحقق مصلحة الكيان واستقراره، وربما يبدؤون رحلة البحث عن رئيسهم التاسع خلال الاشهر القليلة المقبلة وتذكروا كلامي!!