إلى عهد قريب كان معظم السكان بمدينة الرياض يسكنون بيوتاً صغيرة من الطين بمتوسط (120 متراً) ويتزوج ابنان أو ثلاثة وينحشرون جميعاً في البيت الطيني الصغير، كان عداد الكهرباء 5 امبير يرتعش إذا أضيء عدد محدود من الأنوار، المكيفات شبه معدومة والثلاجات، يعود رب الأسرة من (المقيبرة) حاملاً قطعة لحم بعير ملفوفة في كيس اسمنت وقرعة، ربما في الأسبوع مرتين، السمك قليل جداً في الرياض ولا نكاد نعرف منه غير(الكنعد) والمعلبات بلا تاريخ انتهاء وبعضها منتفخة! وكثيراً ما انفجر (قوطي الصلصة) عند فتحه وصبغ السقوف والجدران والوجوه بالأحمر، الأطباء نادرون وخاصة أطباء الأسنان، والوعي الصحي هزيل، وقلع الأسنان كثيراً ما يتم (بالكلاب) وهو يشبه (الزرادية) وبلا تخدير! وكان هناك مختصون في قلع الأسنان بهذه (الزرادية) مقابل قرش، وأحدهم كان مشهوراً وكاد يعتزل لأنهم أحضروا له رجلاً طويلاً مفتول العضل ملتهب السن يصرخ من الألم ويمسكه رجلان شديدان وعندما ضغط المذكور (بالزرادية) على السن قفز المريض كالوحش وصفع الخالع فأوقعه أرضاً وكسر ثلاثة من أسنانه لشدة الصفعة من شدة ألم الصافع، فاعتزل المضروب عن خلع الأسنان شهوراً ثم احتاج فابتكر وسيلة حماية، الذي يريد خلع ضرسه عليه ان يدخل رأسه فقط من خلال قضبان حديد والطبيب المزعوم داخل الغرفة يمد كلاّبه المخيف ويقلع سن المريض الممسوك آمناً من أي ضربة! كان أكثر الناس ثرمانا! طقم الأسنان لم يكن معروفاً في نجد وقتها! وقدم رجل من الحجاز فأضافه نجدي وبعد الأكل دخل الحجازي الحمام الصغير ليغسل فمه وخلع طقم أسنانه وأثناء انشغاله بغسل يديه هجم قط وخطف طقم الأسنان فصرخ الرجل: أين القط الذي أخذ أسناني؟! وظنوه جنّ!.. وفيات الأطفال كانت كثيرة.. والراديو عيب والدراجة (حصان ابليس) حتى القهوة حرمها بعضهم! الشوارع ترابية نلعب فيها الكرة وعرضها أقل من عشرة! المجانين يصولون في الحارات! الدجالون يعالجون كل شيء بمزيد من المرض وفساد العقل.. خلال فترة تعتبر في تواريخ الأمم (ومضة) نهضنا بشكل لا يصدقه عقل ولا يتصوره خيال، صرنا من أثرى الأمم وأكثرها تعليماً وابتعاثاً وترفاً.. ولكن النزف مذموم فهو سوس الأمم.