بمقالين سابقين قدمت عن الشعوب كيف تبني بلدها، عبر المنتج القومي، من خلال العلم والصناعة والتطوير الفني، مما يحفظ الدولة سالمة، وخاصة الاقتصاد الذي هو دعامة الدولة. في حديث مُرٍ قدمت عن واقعنا كدول عربية، دخلت مجالات تحرق اقتصادها وشعبها، عبر تنافر وحروب، بقيت الكيف، وهذه لا أملك إجابة واضحة عنها، لكن. لمقال أقرب للعقلانية فكرت في ثلاث تجارب لدول نامية تقدمت، من ثلاث قارات البرازيل، وجنوب أفريقا، وماليزيا حيث هناك تشابه بيننا وبينها متمثلاً بالدين من جهة ووجود جالية عربية بنت لها كياناً هناك.. التجربة البرازيلية جميلة ومهمة جداً لدولنا العربية التي حباها الله بثروة مائية وأرض خصبة وكثافة سكانية (مصر والمغرب، والسودان)، يمكن أن تأخذ هذه الدول بالأفكار البرازيلية التي نقلتها لصفوف البلدان المتقدمة، حيث تواكبت الفلاحة مع الصناعة الزراعية، الاهتمام بالمنتج القومي، وتطويره وبناء صناعات متخذة من هذا المنتج مادة أولية، فقد استطاعت هذه الدولة أن تستفيد من موقعها الاستوائي وما ينتجه هذا الموقع من وفرة مائية، عاشت عليه الزراعة والثروة الحيوانية، لقد سيطر إنتاج البرازيل من القهوة وقصب السكر على جزء كبير من التجارة العالمية، دعمته بدعاية كبرى له عبر العالم ليس كماً فقط ولكن جودة. طورت صناعة الوقود من المنتج المحلي وهو الرز لوقود المركبات، ناهيك عن التطوير الصناعي والتنمية المستدامة في كل بقعة من البرازيل، وبذا خففت الكثافة السكانية في العواصم الإقليمية، نقلت العاصمة البرازيلية(برازيليا) إلى وسط البلاد فتكون على بعد متساو للأقاليم. تحتاج التجربة البرازيلية لدراسة بعناية والاستفادة منها قدر الممكن في البلاد العربية، مؤكدة على أن الاقتصاد هو قوام أي تجربة إصلاحية، وهذه لا تتم إلا بوجود وحدة شعبية جادة لرفعة الوطن.. أمامنا تجربة جنوب إفريقيا وهي تجربة ثرية وقوية، خاصة لما كان فيها من تفاوت بين المواطنين الأصليين والمستوطنين البيض، وكيف انتهى الكفاح بالصلح وبناء الوطن من جديد، أكتفي بهذا المقطع من الدستور الجنوب أفريقي (نصت المادة 13 من الدستور الانتقالي على أن المعتقدات مكفولة للأفراد، وكذلك حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية داخل المؤسسات الحكومية على ألا تنطوي تلك الممارسات على أي مساس بالمساواة، وأن تكون متاحة للجميع، وأكدت المادة 14/3 على أنه ليس ما يمنع من صدور تشريعات تعترف بنظم وقوانين الأحوال الشخصية والعائلية التي تتبناها جماعة دينية ما "وأكد الدستور على إمكانية إنشاء مؤسسات تعليمية على أساس الثقافة المشتركة أو اللغة أو الدين، على ألا يصاحب ذلك أي تمييز على أساس العرق". طبعاً لا يخفى التطور السريع والقوي في اقتصاد جنوب أفريقيا وتماسكها الشعبي.. في آسيا هناك النمر الماليزي الجميل وعضو جماعة الأسيان الاقتصادية الآسيوية، بقوة انتقلت من دولة ضعيفة ذات اقتصاد هش، إلى الاقتصاد القوي. لم يكن في رأي(مهاتير محمد) أن هناك نظام اقتصاد إسلامي واضح ولكن هناك مبادئ وأخلاقيات وفروض وسنن تساعد في الاقتصاد.. كالزكاة ومنع الربا، هناك الوقف وموارده. ذلك مع وجود آليات تستطيع أن تدفع هذا الاقتصاد قدماً.. قامت ماليزيا بعمل صندوق ادخار للمسلمين ليتمكنوا من تأدية فريضة الحج، هذه الأموال نفسها تساعد في دفع عملية التنمية ودورة المال المنتجة. انفصلت سنغافوة عنها لم تكن حساسة لذلك كثيراً، ولكن ركزت على تنميتها الداخلية، ويكفي أن نعلم أن ماليزيا هي من يمد سنغافورة بالمياه. بمعنى سنغافورة تدر دخلاً على الوطن الأم ماليزيا. هذه التجارب الثلاث ما كانت لتتم لولا وجود قادة للتغير، مع قناعة ومساعدة من قبل الشعب وأصحاب رؤوس الأموال، والتركيز على التنمية المستدامة بمواكبة للعلم والتطوير والمعرفة. لو أخذت مأخذ الجد لدى العرب وتم الاستفادة منها وتطبق ما هو صالح لنا، مع تطويره بما يلائمنا.