سبحان الدائم على الدوام رغم زوال سوق المقيبرة من سنوات طوال فكأنما أراه الآن! لقد كان لوالدي - رحمه الله رحمة واسعة - دكان شمال المقيبرة يبيع فيه الأرزاق (الرز والسكر والقهوة والهيل) وكان يأخذني معه وأنا طفل! كنت أسعد حين أذهب! سوق المقيبرة قريب وفيه كل غريب عجيب وابن خالتي وصديق عمري الأستاذ عبدالله الشعلان كان يحضر مثلي أحياناً مع والده - رحمه الله - فكنا نلتقي في سوق المقيبرة الذي يشبه (جراب الحاوي) فيه كل شيء: الخضار واللحوم والاقط والسمن البري والمكانس والمواعين والحلويات أيضاً!.. كنت أذهب أنا وأبو عادل إلى (قيصرية الحساوية) شرق المقيبرة (وهي جزء منها) لنجد رجلاً حجازياً يبيع مع ولده (مشبَّك وحلاوة قطن وبليلة وأحياناً آيس كريم)! كنا نعطيه نقودنا الصغيرة فرحانين ونأكل ما يقدم لنا مدهوشين! لم نكن نعرف هذه الحلويات! (المقيبرة) أشهر من نار على علم.. سوق الرياض المركزي لعشرات الأعوام يمتلئ من أوله إلى آخره بالباعة والمشترين والبدوي بالحضري والنساء بالرجال والحابل بالنابل وتصطف بجوانب السوق الدكاكين وفي ساحة المقيبرة الواسعة جداً مئات المباسط والمحرجين، حيث يختلط الحابل بالنابل والبشر بوسائل النقل من الحمير الجاهزة للحمل الثقيل والعرابجة الذي يهز واحدهم عصاه دائماً! شرق المقيبرة (المقصبة) وغربها (قيصرية الحساوية) وكل الباعة سعوديون لا يوجد وافد!.. الباعة جادون.. أنوفهم عربية وعيونهم يقظة وهم في أخذ ورد مع المشترين لا يزعلون من المفاصلة ولا يملون من العمل.. بيتنا وقتها لم يكن بعيداً عن المقيبرة.. كانت هي مركز العاصمة.. وأنشط أسواقها.. يضرب بها المثل في تواجد كل شيء.. وهي فاتحة ضاجة من صلاة الفجر حتى آذان المغرب حيث تخمد ويذهب الناس إلى منازلهم! كانت الخضار والفاكهة واللحوم طازجة خالية من الكيماويات والمبيدات.. لها طعم ورائحة.. نعم كانت النقود قليلة لكن النفوس سعيدة!