كنت في مقال سابق بعنوان (قوامة للرجل.. أم مساواة مع الرجل؟!) الذي نشر في صحيفة «الرياض» الغراء بتاريخ 8 جمادى الآخرة 1426ه قد حذرت المرأة من أن تنخدع بدعوى المساواة فيما ليس من مهامها، ولا ينبغي عليها أن تحمل عن الرجل ما هو من مهامه ومكلف به. وفي مقالي اليوم أتحدث عن موضوع زاد فيه الصراخ والعويل بحق وبدون حق وهو خروج المرأة للعمل. وقد علمنا أن بياناً وقعته (500) امرأة سعودية يرفضن قيادة السيارة ويؤكدن أن المنزل مكانهن الطبيعي ومن بين الموقعات على البيان، الذي نشر في بعض الصحف ومن بينها جريدة «الشرق الأوسط» في عددها (9741) وتاريخ 30/7/2005م، أكاديميات وطبيبات ومعلمات وطالبات كلهن يرفضن قيادة المرأة السيارة ويطالبن بعدم السماح لهن بذلك ويطالبن بعدم الالتفات إلى ما تكتبه الصحف التي تريد إخراج المرأة السعودية من منزلها. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هؤلاء اللاتي وقعن على البيان يجهلن دورهن في الحياة، وإذا كن خرجن من بيوتهن للعمل: فهل هي الضرورة التي اخرجتهن أم أنهن خرجن للترف وتحقيق الذات كما يقال؟! إن أهم سلاح عند المشككين والمناوئين لديننا وعقيدتنا هو السلاح الذي يستخدم المرأة عنصراً فعالاً للهجوم على المسلمين وغزو عقائدهم، فدخلوا عليها كأم، ودخلوا عليها كأخت، ودخلوا عليها كبنت، يريدون أن يجعلوا منها حربة نافذة في خاصرة الإسلام، وتهافت هؤلاء الباهتون على إخراج المرأة من بيتها لأنهم لا يفهمون دين الله، ولأنهم قصيرو النظر، ولأن أيمانهم وشمائلهم وأمامهم ووراءهم إن هي إلا جهات الزمام الذي ينقادون فيه، وإنما ينقادون للآراء التي توجههم ويترجمون منها بلا نقد ولا تمييز ولن ننخدع بزيف أقوالهم، فإن الهر من فصيلة الأسد، ولكن أسديته على الفأرية وحدها. والحق إنها دعوة هوى يتبعها هوى، وهذه الأهواء ستقود مجتمعنا إلى الهاوية والهلاك. إن دعوة خروج المرأة للعمل دعوة هوى ولم يتركها الحق سبحانه وتعالى لذوي الأهواء والنفوس المريضة ممن يخبرون عن أنفسهم ويدلون عن عجزهم ويبينون عن جهلهم ويصرحون بسخافات فهمهم وركاكة عقولهم.. ما علينا.. تدخل الحق سبحانه وتعالى في هذه القضية ليمنع فيها الهوى ويردع أصحابه حتى لا يكون لهم عند الله نصيب ولا لجهودهم ثمرة ولا لحركتهم حظ في الدنيا ولا في الآخرة: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً}. ولأنهم لم يريدوا بدعوتهم هذه وجه الله سبحانه وتعالى فإنها ستكون وبالاً عليهم وستذهب هباء منثوراً، ولم يعطوا عليها شيئاً.. بل وجدوا الله عندها: {.. حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب}. إن دعاة خروج المرأة للعمل دون ضرورة بحجة أننا نعطل نصف طاقة المجتمع لا يريدون بأمة الإسلام خيراً.. في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً.. وهم يحتجون لدعواهم بخروج المرأة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم للعمل ويجهدون أنفسهم في أن يوجدوا في تصرفات الرسول الكريم ما يبرر دعواهم لعمل المرأة الآن. فتراهم يقولون: لقد خرجت المرأة المسلمة مع جيوش المسلمين للقتال والجهاد، فاختلطت بجيوش المقاتلين، وكانت تمرّض وكانت تداوي الجرحى بنفسها وتنقلهم من أرض المعركة إلى موقع آخر بعيداً عن ميادين القتال حتى يتسنى لها علاجهم ومداواتهم، وهذا نوع من الاختلاط! كما أنهم يقولون إن المرأة المسلمة تختلط بالرجال في الحج عند الطواف والسعي.. فأنت تطوف وترى المرأة عن يمينك أو شمالك أو أمامك. فالمشاركة في الحرب ومداواة الجرحى ونقل المصابين في القتال وأعمال الحج كلها من الاختلاط. لعمري وعمر أبيك أيها القارئ إنها دعوة ظالمة منكم أيها المتعثرون، وسنقف على جورها وظلمها وركاكتها ولن يجدي معها فذلكتكم وفلسفتكم ونحن أعلم بدعواكم وما تخفي صدوركم أعظم: لو قيل: كم خمس وخمس؟ لاغتدى يوماً وليلته يعد ويحسب ويقول: معضلة عجيب أمرها ولئن فهمت لها، لأمري أعجب خمس وخمس ستة، أو سبعة قولان قالهما الخليل وثعلب وبالتأكيد فإن دعواهم بأن ذلك اختلاط لا تصح أبداً. فالإنسان الذي أمضى حياته كلها ينتظر قضاء ركن الحج العظيم إلى بيت الله الحرام مرة واحدة في العمر ليكفر بهذه الحجة عن خطاياه ويغسل بها ذنوبه، لن يفكر في امرأة! وهل يعقل أن يأتي من أقاصي الدنيا إلى مكةالمكرمة ليزداد آثاماً أم أن الموقف موقف استبراء للدين لا يدع مجالاً في أن يفكر فيما يفكر فيه الرجل لو اجتمع مع امرأة في مكان آخر؟ كذلك الحرب فإن في أعمالها من قتال وجراح وقتلى ما يجعل الرجل ينصرف عن التفكير بأي امرأة ويجعل سلامته مقدمة على ذلك، ثم من قال ان المرأة كانت تزاحم الرجال في المعارك، الحقيقة إن المرأة لم تكن تزاحم الرجل في القتال بل كانت تؤدي دورها في هذه الحروب بما تقتضيه الضرورة وتجاهد نفسها ألا تختلط بالرجال المقاتلين، فهذه عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت عبدالمطلب رضي الله عنها تذهب وتقتل اليهودي الذي امتنع حسان بن ثابت رضي الله عنه أن ينزل ليقتله، فلما قتلته قالت لحسان: أنا قتلته، انزل الآن فاسلبه - أي خذ الغنيمة التي عليه - والله ما منعني أن أخذ سلبه إلا أنه رجل. فهي رضي الله عنها كانت تقاتله وهي بعيدة عنه وعندما فقد الإحساس والحركة بسبب قتله تحرجت رضي الله عنها من أن تذهب إليه وتأخذ سلبه، فلم تبح لنفسها ملامسته وهو مقتول بل أخذت الضرورة بقدرها دون الحاجة إلى التوسع فيها، فقد كانت الضرورة درء شر ذلك اليهودي ودحره عن مواقع المسلمين وقد تحقق الهدف دون الحاجة إلى الاختلاط أو الاحتكاك به. أما قضية معالجة المصابين ونقل الجرحى فقد كان هؤلاء الرجال في شغل عظيم يصرفهم عن التفكير في أي امرأة. لقد وضع القرآن الكريم دستوراً خالداً لخروج المرأة من بيتها وذكر الحق سبحانه وتعالى قصة موسى عليه السلام مع ابنتي شعيب عليه السلام وكيف أن المرأتين خرجتا إلى ماء مدين وحول الماء خلق كثير وأن حيثيات الخروج للمرأتين حددها الخالق سبحانه في قوله: {وأبونا شيخ كبير} وأن خروجهما لم يكن حباً في الخروج بل كان ضرورة ملحة: {لا نسقي حتى يصدر الرعاء} ولما سألهما موسى عليه السلام: {ما خطبكما} كان الجواب منهما معاً: {قالتا} لأن قضية الخروج قضية واضحة ومسلم بها في ذهن المرأتين بأنه لا يكون إلا عند الحاجة وفي الضرورة، فلم تكن الإجابة بحاجة إلى تحضير أو اتفاق مسبق بين المرأتين: {قالتا} كلتاهما ولم تقل واحدة منهما وتسكت الأخرى! بل إن الخروج لم يستهويهما بدليل قول الحق سبحانه وتعالى: {قالت إحداهما يا أبت استأجره} وإن خروجها من مكانها الطبيعي وهو البيت الذي تعشقه وتعشق معه التستر والاحتجاب لأن في ذلك كرامة لها. إن في قصة موسى عليه السلام مع المرأتين العديد من الدروس المستفادة لا يتسع المجال لذكرها والاستفاضة في شرحها. وخلاصة القول إن دعوى خروج المرأة دون ضرورة وبالتالي سفورها وترك حجابها قد تنكر لها من نادى بها قديماً، فهذا قاسم أمين رائد دعوة تحرير المرأة وخروجها كاشفة ومتبرجة قد تراجع عنها، ونقل عنه قوله: لو أنني علمت أن هذه القضية ستؤدي إلى ما أنا رائيه الآن كنت عدلت عنها. فلماذا لا نستفيد من تجارب غيرنا؟! هل لا بد أن نبدأ تجاربنا حتى نصدم بعدها أو نصفع على وجوهنا! إن كان خروج المرأة للعمل قد كان لضرورة ملحة فقد توسعت المرأة في هذه الضرورة دون مبرر وبذلك حققت لمريدي السوء والفتنة بالمجتمع المسلم ما يريدونه، ومن يشاهد واقع المرأة المسلمة يرى أن سفورها وتبرجها وخروجها من بيتها لا علاقة له بالضرورة الملحة! فما العلاقة بين العمل أو التعليم وبين أن يكون الفخذ عارياً، وما العلاقة بين العمل أو التعليم وبين الصدور العارية، وما العلاقة بين العمل أو التعليم وبين أن تكون الفساتين ملصقة بالجسد لتدل على مفاتن المرأة. وأخيراً أنا لست ضد عمل المرأة لكن بضوابطه الشرعية وأنا مع عمل الطبيبة والمعلمة والإدارية أن هي أرادت العمل بشرط الاحتشام وعدم الاختلاط بعدها سيعلم دعاة خروج المرأة للعمل دون ضرورة أو ضوابط جور دعوتهم وظلمهم للمرأة وقسوتهم عليها وأنها دعوى بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وأن من لم يقتنع بما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم ستثبت له الأيام زيف دعواه، يقول مصطفى صادق الرافعي: «برهان التاريخ لا يخضع للمشنقة ولا لمحاكم الاستقلال ولا يأتي إلا في وقته الذي سيأتي فيه، وسيرى الناس يومئذ ما يكون وهماً مما يكون حقيقة». والله من وراء القصد،،،