منذ عام 2011 ونفط برنت يتداول بمستوى يفوق المئة دولار للبرميل الواحد، وإن لم تكن المملكة قد تدخلت لزيادة حجم إنتاجها، لكان سعر البرميل اليوم أعلى من المستوى الذي سجله مؤخراً. وكما هو الحال مع السلع الأخرى، شهد سعر النفط العالمي تغيّرات عديدة خلال العقد الأخير، ولكن الأسعار التي بلغها خلال العامين الماضيين كانت عالية على غير العادة مقارنة بالمستويات التاريخية، حيث كان سعر البرميل دائماً دون مستوى 40 دولاراً قبل عام 2004. ومنذ ذلك الحين، كان لكل من الأسواق الضيقة والطلب الآسيوي النامي تأثير على ارتفاع الأسعار حتى تصل إلى مستواها القياسي في الثالث من يوليو 2008 وهو سعر 143.6 دولاراً للبرميل الواحد. ولاحقاً، أثرت الأزمة المالية على الأسعار التي انخفضت إلى 100 دولار، واستمرت الأسعار بالتحسّن على الرغم من التعافي البطيء للاقتصاد العالمي. فقد كان السبب الرئيسي وراء الأسعار المرتفعة هي التوترات من ناحية العرض، مثل الربيع العربي الذي خلق مخاوف من توقف العرض من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والحرب في ليبيا بالإضافة للأوضاع في كل من مصر وسورية، التي أثرت جميعاً على أسعار النفط. كما كان لسياسات التحفيز دور في دعم الطلب على النفط الذي اعتمد على التضارب، الأمر الذي دفع أسعار النفط إلى الارتفاع. وخلال هذه الفترة، لعبت المملكة دوراً مركزياً في كبح تصاعد الأسعار، بمثابتها أكبر منتج ومصدر للمشتقات النفطية في العالم، وأيضاً الدولة المنتجة للنفط الوحيدة في العالم التي تستطيع أن تغيّر توازن حجم الإنتاج العالمي، كون طاقتها تمكّنها من تعديل حجم إنتاجها النفطي بسرعة مما يؤثر مباشرة على الأسعار العالمية. ولتفادي أي نوع محتمل من التأثير السلبي لأسعار النفط المرتفعة، وأيضاً لمنع أي عائق على التعافي العالمي، رفعت السعودية حجم إنتاجها خلال الأوقات المحورية التي شهدت خطر تأزم الاقتصاد العالمي، وذلك على الرغم من عدم موافقة دول أعضاء في منظمة الأوبك لمثل هذه الخطوة، ومنها فنزويلا وإيران. وعلى سبيل المثال، كان الطلب على النفط يستعيد عافيته في عام 2010 حين بدأ الاقتصاد العالمي يتحسّن بعد الأزمة المالية، وهو ما نتج عنه ضغوطات تضخمية. واستقرت أسعار النفط في ذاك الوقت عندما رفعت المملكة حجم إنتاجها بنسبة 13.3% في فترة نصف عام لينتقل الإنتاج من 8.24 ملايين برميل في اليوم في يناير 2010 إلى 9.34 ملايين برميل في اليوم في يوليو 2010، حيث كانت المملكة ملتزمة في الحفاظ على أسعار النفط بمستوى ما بين 70 و 80 دولارا للبرميل الواحد. وفي منتصف عام 2011، عانى النفط من زيادة الضغوطات عليه مع اندلاع الربيع العربي، وبالأخص في ليبيا، ما دفع السعودية إلى رفع إنتاجها بمستوى مليون برميل في اليوم في غضون ثلاثة أشهر فقط بهدف دعم الوكالة الدولية للطاقة في عملية اطلاقها ل 60 مليون برميل من المخزون النفطي. وفي أوقات أخرى، تدخلت السعودية في سوق النفط العالمي بشكل معاكس من خلال تقليص حجم الإنتاج عندما بلغت أسعار النفط مستويات متدنية جداً. فالسعر العادل للسعودية للحفاظ على توازن ميزانيتها يتراوح ما بين 80 و85 دولارا للبرميل بحسب صندوق النقد الدولي، ما يعني أن الأسعار تحت هذا المستوى تنتج عجزاً مالياً، لذا من مصلحة السعودية أن تبقي أسعار النفط عند هذا المستوى وعلى وجه الخصوص مع زيادة الصرف العام على العمالة والبنية التحتية في المملكة. وبما أن الاقتصاد العالمي لم يتعاف بالكامل بعد حتى اليوم، حيث لا تزال الولاياتالمتحدة تعتمد على برامج التيسير الكمي، وبالكاد منطقة اليورو تتوسع، ولا تزال دول آسيا الناشئة معرضة لتدفق الرأسمال إلى الخارج، فإن زيادة قوية في أسعار النفط ستكون ضارة على تعافي الطلب العالمي. وفي الفترة القادمة، من المرجح أن تبقى الضغوطات على العرض كما هي، حيث تؤثر عدة عوامل على بيئة دافعة لأسعار مرتفعة وهي بيئة من السهل أن تتدهور، منها الأزمة في جنوب السودان، والنقص في العرض من ليبيا التي لا تنتج اليوم إلا خُمس ونصف من كامل طاقتها الإنتاجية، واحتمالية عدم الاستقرار في العراق، والدول غير المستقرة نسبياً مثل نيجيرياوفنزويلا. ومن هنا ستستمر المملكة في دورها الرئيسي في الحفاظ على الاستقرار العالمي على المديين القصير والمتوسط. أما على المدى الطويل، سيبقى أهمية الدور الذي تلعبه السعودية أيضاً كما هو. فمع توسّع قطاع النفط الصخري في الولاياتالمتحدة التي ستؤدي إلى تغيّر خريطة النفط العالمية بحيث تصبح الولاياتالمتحدة أكثر اعتماداً على مواردها، سترى السعودية زيادةً في الطلب من الاقتصادات الآسيوية. وبحسب وكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن تمثل الزيادة في الطلب من آسيا الناشئة نصف الزيادت العالمية ما بين اليوم وعام 2040، وبالتالي، من المترقب أن تتجه المملكة، ومعها دول الخليج الأخرى، إلى الشرق على المدى الطويل. * محلل اقتصادي في شركة "آسيا للاستثمار"