إن ظاهرة الإهمال والأخطاء الطبية لم تعد تقتصر على بعض الضحايا الأبرياء بل أصبحت ظاهرة مأساوية تمارس بشكل شبه يومي دون حسيب أو رقيب ودون خوف أو ضمير حتى وصل حجم الأخطاء خلال الخمس سنوات الأخيرة 5105 أخطاء وعدد الأخطاء الطبية غير المكتشفة يفوق تلك المكتشفة نتيجة عدم تقدم النسبة العظمى بشكوى نظراً لعدم علمه بطبيعة الخطأ ومضاعفاته أو جهلاً منه بحقه في التقدم بالشكوى أو لقناعته بعدم جدواها!! ولعل سبب هذه الظاهرة يعود بالطبع إلى العبث والتقصير في أغلب مستشفياتنا والتي يعززها مع شديد الأسف ثقافة الصمت السائد في التعامل مع الأخطاء والإهمال وغياب الرقابة والعقوبات الرادعة من الجهات المختصة وتحديداً من وزارة الصحة. وقد تناولت هذه المعاناة كغيري من الكتاب مراراً وتكراراً وقلت إن الإهمال واللامبالاة أصبح ديدن بعض المسؤولين عن صحة المواطنين حتى أصبحت لوحة "لا توجد أسرة" شعاراً لمستشفياتنا، بينما العشرات يصارعون الموت يومياً، وفي حالات الدقائق فيها قد تكون فاصلة في حياة المريض، والمثير للدهشة أن هذه اللوحة لها وجه آخر مبتسم ومرحب في وجه أصحاب فيتامين "واو"، وهو أمر لا يعد سراً في مجتمعنا، بل أصبح دليلاً قاطعاً يؤكد بأن موطن الخلل ليس في صروحنا الطبية، بل في وزارة الصحة والمسؤولين والعاملين بتلك الصروح الطبية! إن تضاعف المعاناة، وتحول المشكلات الفردية إلى ظاهرة، أمر لم يعد يتحمل مزيداً من التراخي أو التأجيل بل يتطلب تدخلاً عاجلاً من معالي وزير الصحة، عبدالله الربيعة باعتباره على قمة هرم الوزارة الخدمية المسؤولة عن صحة كل مواطن وخصوصا من لا يمتلك القدرة على نزيف العلاج الخاص، الذي قد يكون مقارنة بالجودة الأغلى في العالم، وليس لدينا اعتراض على ذلك الأخير، فالمسألة عرض وطلب في ظل الرقابة وهو أمر يطول شرحه!. ولكن اعتراضنا أو رجاءنا هو المطالبة منه القيام بزيارة مفاجئة لأقسام استقبال المرضى في مستشفياتنا الكبرى بالمملكة على مدى ساعات اليوم، والاطلاع عن قرب على حجم الفجوة الواسعة بين ما هو مطلوب بإلحاح وبين ما هو متوفر من خدمة، خصوصاً في الحالات الحرجة!. وعلى رغم أن العالم من حولنا أجمع على أنها مهنة "الرحمة"، وأن نصف العلاج نفسي، وأن التعامل مع المريض بصورة "إنسانية" قد يسهم في اختصار علاجه بمشيئة الله، إلا أن ما يحدث في بعض مستشفياتنا شيء آخر، والمعاناة تتكرر في أكثر من مستشفى ومع أكثر من طبيب!. نقول: إن ما تحقق على مستوى الكم والكيف في الخدمات الصحية يوفر الفرصة للمواطن لتلقي أفضل سبل العلاج وقت احتياجه له، ولكن الخلل الإداري، مع الأسف الشديد، خلق ما يشبه الظاهرة التي تشوه هذه الإنجازات، وتعرقل تمتع المواطن بالخدمات عند الحاجة إليها من الانتظار الطويل والمراجعات في الطوارئ، أقول الطوارئ، عبر طوابير هي لوحدها كفيلة بأن تهد صحة الإنسان، خصوصاً إذا كان من كبار السن!! وقفة: أجمع عدد من أعضاء مجلس الشورى في جلستهم الأسبوع الماضي على أن الرعاية الصحية في المملكة لازالت متدنية وضعيفة بالرغم من الميزانية الضخمة المرصودة لوزارة الصحة لعام 2013م والبالغ حجمها أكثر من 54 مليار ريال، أي بزيادة عن العام السابق بنحو 16 في المئة وأكدوا على حق المواطن في التساؤل عن مصير المليارات التي تصرف كل عام!!. أخيرا: هل يدرك المسؤولون في وزارة الصحة بأن الرعاية الصحية للمواطن تزاحم غذاءه وأمنه في الأولويات، وأنها مقياس الحضارة في المجتمعات الإنسانية؟!