هل لدينا فساد؟ نعم. ولكن هل كل ما يجري لدينا من تعثر وتدهور وفشل في الكثير من المشروعات نتيجة فساد؟ هذا هو السؤال الذي علينا طرحه وإثارته من أجل الوصول إلى إجابة ملائمة، وذلك كي لا نتحول إلى درجة نتهم فيها المجتمع بكامل أفراده وشرائحه أنه مجتمع فاسد، حينها يصبح الواحد منا يشك حتى في نفسه، قبل أن يشك في الطرف الثاني الذي يتعامل معه. أي أننا سنعيش تحت تهديد "فوبيا الفساد" أكثر من الفساد نفسه وبالتالي نعيق مسيرتنا التنموية وأعمالنا ومشروعاتنا نتيجة التخوف والتردد في اتخاذ الكثير من القرارات تفادياً لذلك الفساد المتوقع. هناك لاشك فساد واضح، تفضحه الأرقام الفلكية التي ترسى بها بعض المشروعات، أو تنزع مقابلها بعض الملكيات، أو غير ذلك من العقود التي لا تحتاج خبيراً في الهندسة أو المحاسبة لمعرفة تكاليفها الحقيقية، وكم هو الفارق الذي سيذهب لجيوب البعض، حيث المجتمع وصل إلى درجة من الوعي والانفتاح يستطيع معها إدراك الأمور وتمييز الصح من الخطأ. لكن هناك مشروعات كثيرة يحصل فيها الخلل أثناء التنفيذ، وينفضح أمرها بعد التنفيذ، وليس من المنطق والمقبول أن يعزى سبب ذلك إلى الفساد فقط، إذ ان هناك بلاشك أسباباً أخرى قد تكون هي، وليس الفساد، سبب تلك الرداءة التي تعاني منها تلك المشروعات. إن المتأمل في حال أجهزتنا الحكومية، لا يحتاج كثير عناء ليقف على حقيقة الضعف الإداري الذي تعانيه تلك الأجهزة، والمتمثل في طريقة وبيئة عملها وكفاءة العاملين داخلها. وهذه الأخيرة هي ما نحتاج التوقف عندها كثيراً، إذ هي قد تكون مربط الفرس في موضوع ضعف ورداءة تنفيذ الكثير من مشروعاتنا. للأسف الشديد إن برنامجنا التنموي، وما يرتبط به من طموحات وتطلعات سواء من القيادة أو المواطن أكبر من قدرة جهازنا الحكومي التنفيذي بوضعه الحالي على إدارته والتعامل معه. اهتمام القيادة وتطلعاتها من ناحية، واحتياج المواطن وآماله من ناحية أخرى، أضحيا أكبر من قدرة ذلك الجهاز الذي لم يتغير منذ سنوات نظاماً وإدارة وبالتالي لم يستطع التجاوب مع ما يجري حوله من تطورات وتبدلات. بوضوح أستطيع القول إن الكثير من مشروعاتنا أكبر بكثير من قدرة الموظف الحكومي بحالته الراهنة من تقييمها وإدارتها ومتابعتها، حتى لو استعانت أجهزتنا الحكومية ببعض المكاتب المتخصصة والتي تحتاج في المقابل موظفين مؤهلين قادرين على التعامل بنفس اللغة والمستوى معها ومع خبرائها المتخصصين في الكثير من المجالات. إذا كان موظفو الشركات التي تقوم بتنفيذ مشروعاتنا أكثر تأهيلاً، بل تقديراً وتحفيزاً، من موظف الجهاز الحكومي، فكيف يستطيع هذا الأخير تقييم تلك المشروعات وبالتالي متابعة تنفيذها والإشراف على استلامها. علينا أن نتخيل موقف ذلك الموظف الذي يعاني ضعفاً في الراتب، وقصوراً في التأهيل، ونقصاً في التدريب والتحفيز، حينما يقف أمام أصحاب الشركات التي تنفذ تلك المشروعات وكبار مديريها حيث تجد الحماس والتأهيل واللغة المختلفة التي تجعله عاجزاً عن مجاراتهم، وبالتالي فإن عليه أن يساير ويوافق على ما يقدم له، خشية الاتهام بالجهل وعدم المعرفة، أو أن يؤجل ويسوّف في الموافقة والاستلام مما يعطل العمل ويراكم مشروعات ذلك الجهاز سنوات وسنوات. علينا أن نقتنع بحقيقة أن كفاءة وقدرة الموظف الحكومي وبيئة العمل التي يمارس فيها عمله عوامل حاسمة في قدرة ذلك الموظف على القيام بدوره عند طرح مشروعاتنا، بل وعند إعداد شروطها ومواصفاتها وكذلك متابعة تنفيذها واستلامها. فبيئة العمل المناسبة دخلاً وتحفيزاً وتأهيلاً ستخلق ذلك الموظف القوي الأمين الذي سيكون قادراً على القيام بدوره على الوجه المطلوب، بل انها ستجعله أقدر على اكتشاف ألاعيب وفساد بعض ضعاف النفوس سواء داخل الجهاز أو خارجه. إن هذا يتطلب أن ننظر للوجه الآخر من مسببات ما يجري لمشروعاتنا من ضعف وتدهور وتأجيل وتعطيل وألا نعزوه للفساد وحده وهو موجود بلا شك إذ ان ضعف الموظف الحكومي ونقص كفاءته عوامل لا يمكن إسقاطها من المعادلة.