في ذروة ما كان العرب فيه من جهل قبل ما أتى به الإسلام من تعليم ووعي وجزالة أفكار إنسانية ثم أتى تنوع التسلط بعد أعوام ليست بالكثيرة، ثم تكاثر ذلك حتى أصبح أكثر وضوحاً في واقع عالمنا العربي المعاصر.. وفي كلتا الحالتين - ما قبل الإسلام - ثم ما هو خلال التلاعب بأي مفاهيم منصفة وعادلة إلى الدرجة التي تجزم فيها بوجود سيطرة خصوصية الرأي القاسي والمتشدد، حيث يتكرر ما في الماضي البعيد مع ما هو في الحاضر القريب عبر مقولة: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا وإذا أردنا أن نطبق واقع الحضور للقسوة فلن يقل الأمر عن شمول سبع دول على الأقل.. إن أي مقارنة مع أي تجديد آسيوي أو أفريقي لما هو عليه العالم العربي من أوضاع إنما يعطيك شاهداً أن التخلف وقسوة المعيشة واستغلال مفاهيم الدين إنما يأتي كل ذلك لا بالبحث عن واقع أفضل؛ وإنما للبحث عن انطلاق سيادة غير مقنعة فهي غير متواصلة الوجود.. عُد بذاكرتك إلى دولة جنوب أفريقيا.. وتأمل قسوة ما مرّت به حياة رجل تحريرها الأول.. والميزة هنا ليست مسألة تحرير فقط لفئة من قومه، وإنما استطاع مانديلا وبسنوات سجن طويلة قضاها معزولاً ومعذباً أن يفرض الاستقلال ومنطقية وجود واقع تعاون وتفاهم مع إنسان أبيض كان قبل مانديلا ينفّذ مبدأ أن السيادة لمن هو أبيض.. لم يكن الرجل الأفريقي مستبداً بحكمه فهو لم يتواصل، وإنما اكتفى بسيادة الفصل الأول من بناء وجود سيادة المواطن الأفريقي داخل وطنه، ومع هذا المفهوم انطلقت مفاهيم التقارب الإنساني والوطني والأخلاقي بين كل من تجمعهم المواطنة.. عُد بالذاكرة إلى الهند.. البلد الذي مرّ بمراحل عذاب سنوات قاسية.. كان موت الفقير في زوايا الشوارع أمراً طبيعياً.. ووجود السيادة لمن يملك المال حق خاص، ولم يكن العدد السكاني متواضعاً يسمح بفرض سلطة القوة، ولكن المفكر الرائع غاندي استطاع أن يقود ثورة ليست عربية لفرض سيادة فئة واحدة؛ وإنما كانت شمولية هندية برز بها الرجل التاريخي حين انطلق بالهند إلى واجهة ما وصلت إليه دولياً من تقدير لكل مواطن برزت به موضوعية وأخلاقية تجاوز صراعات ألوان البشر أو تنوّع الديانات أو تناقض نوعيات القدرات الاقتصادية بشمولية تفاهم وتعاون وطني اتجه بالجميع إلى واقعه الأفضل..