صدود الفتى عن من قلاه خيار ولا عن مقادير الإله فرار (1) الأعمار يفنيها ولو طال حتنها جديدين ليل عايل ونهار (2) الأقدار ما منها حليمٍ بجازع لها دواهٍ بالعباد اكبار (3) فقلت لحماد منى هاشل الخلا لا قل وبل المرزمات وغار (4) راعي هداتٍ بالتلاقي فتوقه اوساع نهار الكاينات جهار (5) تريح بها الوندات من شد باسه وتنتل منه المعتدين اذعار (6) كعم المعادي هيبة الدار ما شكا جنابه في شبابه جار (7) اوصيك يا حماد لا عادك الردى حذار عن أوباش الرجال حذار (8) أوصيك بالتقوى وبالدين والهدى لعل الهدى يوردك دار قرار (9) وصية عودٍ زل حلو شبابه وقالب حيلات الرجال وصار (10) خبيرٍ بها من كثر ما يعتني بها مضى الدهر ما تلقى عليه بوار (11) أوصيك بالجار الذي كان بايت لا بد ما يمسي لغيرك جار (12) جازه بالمعروف حتى لعله يراعي الى ما شد عنك ونار (13) يذكر حسانيك الذي كنت فاعل لا بان له من عقب دارك دار (14) ولاتبدي الوحنا لأدنى رفيقك ولا منه يا ذرب البنان تغار (15) وابا الحاس لا يعجبك براق ريشه تراه مكسور الجناح شبار (16) له منقر ٍ غمقٍ لداني صديقه عقورٍ ولا منه العدو بيذار (17) واوصيك خلان الرخا لو تزينوا كما شجر ورق بغير اثمار (18) يعمرون لك بالحكي كم من مدينه بالظاهري والباطني دمار (19) يوردونك الماء بمحوص وقتب والى جن حول الماء جذن اقصار (20) يورونك حيلاتٍ إلى ما نظرتها حلم ليل إلى ما فر عنك وطار (21) الشاعر: جاء في مخطوط هوبير (قال ابن شذر) وجاء عند الدخيل (قال ابن رشش) ومخطوط هوبير متقدم على مخطوط الدخيل، وليس هناك معلومة أخرى عن الشاعر أو زمنه ولكن يرجح لدي من لغة النص وأسلوب الشاعر أنه من شعراء القرن الثاني عشر الهجري وماقبله. مناسبة النص: يمتدح الشاعر شخصاً سماه حماد ويقدم له جملة من النصائح وقد وجدت في أحداث 1166ه في تاريخ ابن لعبون إشارة لمن اسمه "حمادة من بني خالد قد تولى على الأحساء وانهزم عريعر بن دجين وصار في جلاجل مدة ثم بعد ذلك ظهر من جلاجل..فانهزم حمادة و جلى إلى الشمال" أقول فلعله يكون ممدوح الشاعر. مخطوط هوبير دراسة النص: ورد في مخطوط هوبير وعدد أبيات النص واحد وعشرون بيتاً وورد عند سليمان الدخيل في مخطوط (كتاب البحث عن أعراب نجد وعما يتعلق بهم) وعدد أبيات النص أربعة وعشرون بيتاً، وبين المصدرين اختلاف في ترتيب الأبيات وفي بعض المفردات والجمل وقد أوردت النص وفقاً لما جاء عند هوبير ،فقد بدأ الشاعر قصيدته مؤكداً على أن إعراض المرء عن من هجره بغضاً فيه هو خير له وأن لا يندم على ذلك فإنما هي أقدار الله لافرار منها وقد جعل الله لكل نفسٍ أجل حتى وإن طال به العمر فنهايته الموت فالإنسان العاقل لا يجزع من القدر بل يصبر على ما نزل به من مصائب فللأقدار نوازل عظيمة في العباد، ثم يتحدث عن من سماه حماد ويمتدح كرمه الذي هو أمنية الضيوف القادمين من الصحراء وقد أرهقهم السفر والجوع في الوقت الذي يعم الجدب فيه البلاد ويشح المطر ويغور ماء الآبار، ثم يمتدح فروسيته حيث يتقدم لساحة الوغى لا يخفى على الناس فيسدد الطعنات القوية التي تترك فجوات واسعة في أجساد الأعداء، كما يكون في حماية مؤخرة جيشه وهم أصحاب الخيل البطيئة العدو فتفر عن مواجهته خيول الأعداء وقد أصابها الذعر من قوة سطوته، ويصفه ب(كعم العدو) أي من يرد صولة الأعداء (وتقول العرب كعم البعير أي شد فاه في هياجه لئلا يعض أو يأكل وكعم الخوف فلاناً أي عقد لسانه عن القول) وأن حماداً هو من جعل للبلاد هيبة ولم يشتك منه مجاور منذ أن كان شاباً ثم أن الشاعر يوصيه محذراً إياه من تقريب سفلة الرجال ومصاحبتهم، ويوصيه بتقوى الله والالتزام بتعاليم الدين والسير على هدي النبي صلى الله عليه وسلم،عسى أن يفوز بدار القرار وهي الجنة،ثم يبين أن هذه الوصية من رجل كبير في السن قد فارق حلاوة الشباب وعركته التجارب وعرف تصرفات الرجال وتدبيرهم فصار خبيراً بها وقد مرت عليه سنين لا مأخذ عليه أو فساد لرأيه، ثم يوصي حماداً بالعناية بالجار وأنه سيأتي يوما يرحل فيه ويصبح جاراً لغيره فليعامله بالمعروف حتى إذا رحل عنه يذكر فضله وإحسانه وأن لا يبدي الحقد على القريب أو يغار منه وأن لا ينخدع في الرجل رديء المخبر جميل المظهر مشبهاً إياه بالديك (أبا الحاس) الذي يمتاز بلمعان الريش وهو غير قادر على الطيران، وأن هذا الرجل شره على الأصدقاء ولا خوف على الأعداء منه، ثم ينصحه بتجنب أصدقاء الرخاء الذين لا يجدهم في وقت الشدة ويشبههم بالشجر الذي لا ثمر له فهم يبنون له من الآمال والأحلام مدينة وتظهر الحب والإخلاص ألسنتهم وتخفي البغضاء والعداء صدورهم فيشعرونه بأنهم حباله القوية التي يشرب بها من مورد الماء حتى إذا جاء وقت الجد كانوا حبالاً أقصر من أن يصل بها إلى الماء.