تزامناً مع الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة كانت الفضائيات العربية تركز في تغطيتها على أساليب ومظاهرات ورفض اليهود من اليمين المتطرف للانسحاب من غزة واعتصاماتهم المتنوعة، ما بين تخريب البيوت داخل المستوطنات والهجوم على الجنود الإسرائيليين بالبيض والحجارة وغيرها من الأساليب التي كنا نشاهد بعضها في بث مباشر!! وأمام حالات الرفض والمظاهرات لبعض اليهود ضد قرار شارون، كانت قناة (الحرة) الفضائية تقدم برنامجا رائعا عن الانسحاب الإسرائيلي تم إعداده قبل بداية الانسحاب، وروعة البرنامج انه أعطانا وجهتي نظر للإسرائيليين، فالصحفي الإسرائيلي بالبرنامج كان يصرخ وهو يقول ان انسحابنا هو رمز للسلام، فالعرب هم أبناء عمومتنا، ويصرخ وهو ينادي اتناسيتم علاقتنا الحالية مع الألمان رغم إحراقهم 6 ملايين يهودي، انها أراضيهم، ورغم أن مقدم البرنامج كان متطرفا ولكنه كان يستمع لوجهة نظر المشارك معه في البرنامج والذي كان يردد على مسامع مقدم البرنامج: هل تريد أن تقتلني، اقتلني الآن!! على الجانب الآخر كان المتشدد اليهودي يهاجم هذا الانسحاب ويعتبره انهزاما مخزيا لدولة إسرائيل لانه لم يكن انهزام ناتج عن حرب او قوات عسكرية بل بإرادتنا، أما المتشدد الآخر الأكثر غضبا فقد ردد: كيف تسمح وزيرة الخارجية الأمريكية رايس بتشبيه الانسحاب الإسرائيلي من غزة بأنه يعادل في دوره بتحقيق السلام، بتحطيم جدار برلين، واخذ يردد: ان الأمر لا يستحق ذلك لان غزة لا تتجاوز 40 كيلو ونحمل كيهود شارون مستقبل دولتنا وسوف نشهد قريبا عودة وتفجر المظاهرات الفلسطينية بسبب هذا التنازل المخزي والتي انتصرنا عليها في السابق!! الفلسطينيون ما بين الفرح برحيل المستوطنين وما بين منظر المغادرين كان لهم وجهة نظر مسالمة ومليئة بالعقلانية، عندما يقول الفلسطيني محمد الاسطل من قطاع غزة لموقع ال BBC وهو يراقب مغادرة المستوطنين: (لا ادري ما الذي جعلني أسابق نفسي للتفكير بهؤلاء الذين يجلون عن المستوطنات، هؤلاء الذين ترعرعوا وشبوا أو شاخوا هنا. انهم الآن يتلقون أوامر الإخلاء، وبعد ساعات سيتم إخلاؤهم قسرا. عندما فكرت بهم خشيت أن تغلب إنسانيتي وطنيتي، فهؤلاء الرجال وتلك النسوة وهؤلاء الأطفال الذين ما عرفوا مكانا لهم إلا الذي أحضره له قادتهم، ها هم يغادرون بيوتهم التي شيدوها، انه أمر في غاية الصعوبة. أتساءل: ألم يكن هناك في الأصل طريق افضل للعيش بعيدا عن آلامنا ومعاناتنا؟ هل كان يجب أن تكون المعاناة لنا او لهم؟ ألم يكن هناك بد من العداء والاعتداء كي نتجنب هذا الألم؟ صارعتني وطنيتي فقالت: من الغريب إن تفكر بذلك؟ كم فرح هؤلاء وغنوا ولعبوا فيما كنت أنت واهلك تتجرعون كأس الألم والمعاناة، والآن تفكر بهم؟ هربت من وطنيتي ومن إنسانيتي إلى مكان آخر، غير أنني كما كنت أعايش دموع الفرحة بالنصر كنت اشعر بان هناك من يتألم. أمام نهاية كلام المواطن الفلسطيني المليء بالإنسانية وبرنامج قناة (الحرة) نحتاج إلى برامج تعطينا معاناة الفلسطينيين منذ الاحتلال الإسرائيلي وتشردهم من ديارهم، وان نستغل آراء اليهود المشابهة لرأي الصحفي الإسرائيلي في قناة الحرة، بدلا من أن يكون منظر المستوطنين وهم يتمسكون بمستوطناتهم التي اغتصبوها دافعا للأوروبيين والأمريكيين ليتعاطفوا معهم ويعتبروا الفلسطينيين ظالمين ومغتصبين وان السياسة ظلمت هؤلاء اليهود، فصور وكالات الأنباء والفضائيات العربية والأجنبية تركز للأسف على أن اليهود يخرجون بالقوة العسكرية من أماكن ذكرياتهم وبيوتهم ومزارعهم التي عمروها بسبب شارون وحكومته وهم بذلك تعرضوا للقسوة وللتشريد!! [email protected]