بعض الإعلاميين المذيعين ومقدمي البرامج في فضائياتنا يمارسون حماقات عجبية يخيل لهم أنها ذكاء واحترافية، وليس أسوأ من متابعة برنامج حواري تكتشف أن مقدمه/ مقدمته يحمل انطباعاً مسبقاً عن الضيف يحاول من خلال إدارته للحوار ترسيخه والتوصل إليه ونقله للمتلقي مهما اجتهد الطرف الثاني في نفيه. هذه الهواجس كانت تدور في مخيلتي وأنا أتابع حوار جيزيل خوري مع الكيميائي المصري الدكتور مجدي النشار في برنامجها (بالعربي) على إخبارية العربية، والنشار كما يعلم المتابعون اشتبهت أجهزة الأمن البريطانية في علاقته بتفجيرات لندن الأخيرة وأنه من صنع المتفجرات، واحتجزته أجهزة الأمن في مصر وأجرت معه تحقيقات أعلنت بعدها براءته من هذه الشبهة. السيدة جيزيل خوري كان لها رأي آخر في مسألة البراءة هذه وقد كانت طوال الحوار تحاول انتزاع كلمة تستطيع بها ان تدين النشار وتضعه في موضع اتهام حقيقي! وكانت صريحة في إعلان عدم قناعتها ببراءته حين عادت بعد فاصل إعلاني لتقول:.. نواصل حوارنا مع الدكتور مجدي النشار الذي ما يزال يصر على أنه بريء!!! وأسئلتها كانت تؤكد عدم قناعتها بخلو ساحته، وهي تجلس أمام الكاميرا تلقي الكلمات وترمق «المتهم» بالنظرات الحادة لتقرأ ردات فعله المباشرة أمام مفاجآت الأسئلة، تماماً كما بفعل ضباط التحقيق فتسأل مثلاً: - هل لك علاقة بالجماعات الإسلامية في بريطانيا؟ - عملياً هل تستطيع أن تصنع قنبلة؟ - ماهو رأيك في أسامة بن لادن؟ - كيف وجدت تعامل البريطانيين بعد أحدث 11 سبتمبر؟، وهي تعني: هل أساؤوا معامتك فقررت الانتقام؟ وتستخف في نهاية الحوار بضيفها سائلة: هل ستترشح لرئاسة الجمهورية المصرية؟! برأيي أن هناك نقاطاً كثيرة كان من الممكن التطرق لها متصلة بالشبهة منفصلة عنها تفيد المشاهد، لكن الحلقة كما رأيتها لم تكن سوى إعادة استجواب «للمتهم» على الهواء مباشرة هذه المرة، فتحقيقات ضباط المخابرات غير كافة في نظر السيدة خوري! وهي أذكى وأقدر ولديها من الوسائل ماتستطيع به أن تعمل ماعجزت عنه المخابرات وتنتزع الاعتراف في تصوير تلفزيوني حي.! ربما كانت تسعى لهذا الإنجاز الصحفي وهي تواجه هذا «المجرم الحويط»، على حد وصف عمر الحريري ل «سرحان عبدالبصير» في مسرحية شاهد ماشفش حاجة.! السؤال الأهم هنا لماذا نحن كعرب - أو بعضنا- لايسعدنا بطلان تهمة أو اشتباه يطال أياً منا؟ من المفترض أن نسعد بهذه البراءة التي تنفي شمولية الاتصاف بالعنف وكراهية الآخر والرغبة في التدمير عنا كشعوب وكأمة، هذه الصورة الخاطئة التي يجتهد البعض في رسمها وتهويلها وحشد الطاقات لترسيخها، فلماذا نسهم معهم في تأكيدها، ونسخر منابرنا الإعلامية لتجريم بعضنا ومحاولة إلصاق التهم حتى بمن ثبتت براءتهم؟! الآن فقط أستطيع أن أفهم لماذا كانت السيدة جيزيل خوري الإعلامية العربية الوحيدة التي ورد اسمها ضمن أفضل ثماني إعلاميات تلفزيونيات في العالم.!!