إن سرطان البروستاتا ورم خبيث شائع في كل أنحاء العالم يصيب الملايين من الرجال ويفتك بالعديد منهم وهو يعتبر السرطان الأكثر انتشاراً والقاتل الثاني عند الرجال الذين تجاوزوا 50 سنة من العمر في العالم الغربي وبعض الدول العربية كلبنان مثلاً حيث يصيب حوالي 50 رجلاً من أصل كل 100,000 بينما نسبته في الولاياتالمتحدة وأوروبا فهي تتعدى 160 حالة تقريباً لكل 100,000 رجل ولكن معدله لا يتجاوز 1 إلى 3 لكل 100,000 لكل من لاصين واليابان وبعض دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية بسبب نوع التغذية والأسباب البيئية والعرقية والتعرض لأشعة الشمس وغيرها من العوامل المجهولة. وقد اظهرت بعض الدراسات أن نسبة الإصابة بعد عمر 50 سنة في الولاياتالمتحدة هي في حدود 16٪ وأما معدل الوفاة بسببه فلا يتعدى 3٪ مما يوحي أن العديد من الرجال المصابين بهذا السرطان يموتون لأسباب مرضية أخرى بدون ظهور هذا المرض سريرياً طيلة حياتهم فضلاً عن أن الدراسات التشريحية على الألوف من الرجال الذين توفيوا نتيجة أمراض مختلفة لا علاقة لها بالورم البروستاتي اظهرت وجود هذا السرطان نسيجياً بنسبة عالية تتراوح ما بين 30٪ و80٪ بين سن 50 إلى 80 سنة. وقد تكاتفت الدراسات العالمية حول ايجاد وسائل للوقاية من الإصابة به سريرياً أو كبح امتداده وانتشاره بعد المعالجة الجراحية أو المداوة بالأشعة ونشرت نتائجها في المؤتمرات العالمية والندوات الطبية الخاصة بهذا الورم لا سيما أن أخبار الوفاة بسببه قد انتشرت في وسائل الإعلام بالنسبة إلى الكثير من المشاهير من الرجال وحتى بعض الزملاء الذين كرسوا حياتهم في دراسته وقضوا نحبهم بسببه، وقبل المباشرة بمناقشة أبرز الوسائل الوقائية الحديثة علينا أولاً شرح آلية الإصابة بالسرطان عموماً للتمكن من تحديد فعالية تلك الوسائل وسلامتها. وكما هو المتفق عليه حديثاً فإن التسرطن يعتبر عملية متعددة المراحل تسببها التغييرات الجينية التي تعطل السبل التي تتحكم بتوازن الخلايا من حيث تكاثرها وموتها المبمرج وتمايزها وتشيخها. وبحيث انه يوجد عند معظم الأشخاص خلايا غير طبيعية تعتبر اسلاف الخلايا السرطانية والتي قد تبقى على حالتها لمدة طويلة قد تتجاوز 20 سنة قبل بروز السرطان سريرياً فذلك يعني أن معظم الأورام الخبيثة بطيئة في الظهور وانه من الممكن استعمال بعض الوسائل للوقاية من حدوثها أبرزها التغيير السلوكي كالامتناع عن التدخين وممارسة الرياضة والتقليل من بعض المأكولات الدهنية وزيادة تناول الخضار والحبوب والفواكه والنخالة واستعمال بعض المواد الكيماوية التي قد تكبح تغيير الخلايا غير الطبيعية إلى خلايا سرطانيية وتخفض المضاعفات الجانبية لبعض الوسائل العلاجية وتمدد فترة البقاء على قيد الحياة، بعون الله عز وجل، وتضع حداً لامتداد السرطان أو معاودته أو انتشاره بعد المعالجة. ولتلك السبل الوقائية أهمية قصوى للملايين من الرجال عالمياً لا سيما أن حوالي ربع مليون رجل تقريباً يصاب بسرطان البروستاتا سنوياً في الولاياتالمتحدة وأن نسبة الوفيات بسببه تتعدى 30,000 حالة كما أن ذلك ينطبق أيضاً على مختلف الدول الغربية، حيث يعتبر سرطان البروستاتا أكثر الأورام شيوعاً والقاتل الثاني للرجال الذين تجاوزوا 50 سنة من العمر، ومما يشدد من أهمية الوقاية أن حوالي 30٪ من المرضى الذين توبعوا بعد استئصال بروستاتهم الكامل أو بعد المداواة بالأشعة تعرضوا إلى نكس هذا الورم وزيادة معدل «ب اس اي» بعد العلاج مما يشكل خطراً على حياتهم نتيجة انتشاره إلى العظام والأعضاء الأخرى فضلاً عن أن المعالجة الجراحية أو الاشعاعية قد تترافق بالمضاعفات الجانبية المزعجة كالسلس البولي والعجز الجنسي الذي يؤثران على جودة حياة المريض. فالوقاية من حدوث هذا الورم أو امتداده في غاية الأهمية لتفادي أعراضه السريرية المنغصة والمؤلمة وتخفيض معدل الوفيات بسببه خصوصاً عند هؤلاء الرجال المعرضين للإصابة به مثل الرجال السود في الولاياتالمتحدة أو الذين لديهم قريب في العائلة، كالأخ أو الأب مصاباً بهذا السرطان أو الذين يملكون خللاً جينياً أو تغييرات نسيجية في خلايا البروستاتا تؤهل تحويلها إلى خلايا سرطانية أو نوعاً من السرطان الشديد الخبث الذي حتى لو كان محصوراً إلا أنه يمتلك الصفات الخطيرة للامتداد والانتشار رغم المعالجة الجراحية أو الاشعاعية الأولية. ولتأكيد أهمية العوامل البيئوية على حدوث هذا الورم أبرزت دراسة عالمية على الألوف من المرضى والرجال المتعافين أن نسبة الإصابة به مرتفعة في الدول التي يتميز نوع غذائها بالدهونات الحيوانية والسكر بينما تنخفض تلك النسبة بمعدل شديد في الدول التي تقلل من تلك المأكولات وتزيد كمية الحبوب والخضراوات في غذائها الوطني. والسؤال الوجيه الذي سنطرحه الآن والذي يشكل أهمية قصوى للإجابة عليه بالنسبة إلى الملايين من الرجال المسنين: هل يوجد فعلاً وسيلة تقي من الإصابة بسرطان البروستاتا أو منع امتداده وانتشاره بعد معالجته الأولية؟ وللإجابة عليه علينا مناقشة آخر المستجدات والابتكارات حول هذا الموضوع التي نشرت في المجلات الطبية والتي عرضت في المؤتمرات العالمية المختصة آملين أن نوفر لقرائنا الأعزاء آخر المعلومات حول هذا الورم الشائع والقاتل.