الفكرة كانت واضحة في ذهني بل إنني أذكر أنني كتبتُ نصف المقال بانسايبية كاملة وأنا أتخيل حروفه مغمضة عينيّ، لكنني الآن لا أجد الفكرة واضحة أمامي بل إنني أفتش عن الحروف كي أصيغها كلمات لكنها تهرب مني! وهذا بحد ذاته جعلني أتساءل عن علاقة الإنسان بالكتابة، كاتبا ومتلقيا! لماذا نكتب؟ منذ أول "شخبطة" بشرية على جدران الكهوف إلى "خرابيش" طفولية على ورقة منسية على الأرض نخط عليها خطوطا ملونة ونحن صغار، إلى مذكرات شخصية نضع فيها جزءا منا، ومدونات إلكترنية نعبر فيها عن آرائنا وقصص وروايات وأبيات شعر تتحدث عنا. من تلك الحروف المتداخلة على حجر روزيتا والتي شكلت نقلة تاريخية وعلمية إلى تلك الرسمات المنحوتة على قطعة أثرية تروي قصة ما. هل أنت كإنسان مجموعة من الحروف التي يحاول البعض فك لغزها وفهم معناها؟ علاقتك بالأحرف تتجاوز ما تنطقه أو تكتبه أو تقرؤه، فشفرتك الوراثية مكونة من حروف أربعة، تسلسلها يشكّل مركباتك الحيوية المسؤولة عن سير خلاياك وعن صفاتك وعن حالتك الصحية! هذه الشفرة التي مازالت لغزا رغم معرفتنا الكثير عنها! ورغم مرور 13 عاما على إعلان المسودة الأولى للجينوم البشري، ورغم الدروس التي تعلمناها عن الأمراض والطفرات، فإن هناك حروفا موجودة في كروموسوماتنا لا نعرف لها دورا حيويا ولا وظيفة لكنها موجودة في كل خلايانا، ومازال العلماء يطرحون الأسئلة حولها، ويبحثون عن إجابات. علاقتك بالكلمات قد تكون روتينية فأنت مثلا تتجاوب مع الناس بطريقة رتيبة لعدم رغبتك في أي حديث عميق أو طويل يأخذ من وقتك ومشاعرك. وقد تكون علاقة استكشافية فكلماتك هي أسئلة لا تنتهي، وقد تكون علاقة تنفيسية فأنت تجد أن الكلمة وسيلتك الوحيدة للبوح والتعبير. قد تستخدم الكلمات للتواصل وقد تستخدمها للاستعراض وقد تستخدمها لتقول أنك هنا أو مررت من هنا. الأحرف موجودة في داخلك قد تصنع كلمات وجملا، وقد تبقى هائمة بدون وجهة داخل عقلك. هل يمكنك أن تختصر نفسك بكلمة؟ ربما قد تكون هذه الكلمة اسمك الأول فبه تعرف وبه تُنادى واستجابة له ترفع رأسك وأنت طفل باحثا عن الصوت الذي ناداك غير مدرك أن هذا اسمك، وأن أمامك مشوارا عمريا طويلا كله كلمات، تقرأها تحفظها تتهجّاها، تمر عليها مرور الكرام وتنساها. لماذا تكتب؟ لماذا تقرأ؟