يعدّ الفضول أقوى دافع لمعرفة أحوال الناس، وكلما ازداد ارتفعت الرغبة في الحصول على أدق التفاصيل التي يعيشونها، حتى يصل الأمر إلى تحديث المعلومات بشكل يومي، فالشخص الفضولي يعيش قلقاً دائماً؛ من أجل متابعة أحوال الآخرين، بعين متعطشة لرصد كل ما يشغله. وقد أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي فرصة كبيرة للفضولي لإشباع شغفه، فهو تارةً محلل اجتماعي، وأخرى عاطفي، وثالثة سلوكي، وأحياناً يتفرغ للتحليل المالي، حيث ينقل التغريدة فوق مساحة فضوله الشاسعة، ويجري لها عملية جراحية لاستكشاف ما تحمله من تفسيرات حتى يقف على الحالة النفسية للمغرد، ويبدأ في نقل فضوله لمن حوله، إذ يسأل كل من يقابله عن حسابه، ولماذا هو غائب عن مواقع التواصل؟، لا ليطمئن عليه، وإنما ليصل إلى ما يريده من معلومات. أسئلة استفزازية وكشفت "مها محمد" أنّها واجهت الكثير من الأسئلة التي تدور حول غيابها عن مواقع التواصل الاجتماعي، موضحةً أنّهم لم يسألوا إلاّ بعد أن يئسوا من بحثهم الاستكشافي والفضولي؛ لهذا تأتي أسئلتهم استفزازية -نوعاً ما-، خاصةً وأنّه لا يوجد أي تواصل حقيقي بينها وبينهم في حياتها الاجتماعية، مبيّنةً أنّ إحدى قريباتها كانت كثيراً ما تحاول في المناسبات الاجتماعية التودد والتقرب لها على غير العادة، وقد حاولت تلميحاً وتصريحاً التأكد من أي حساب يخصها، حيث وجدت الكثيرات يتشابهن معها بالاسم، وحينما أطلعتها بأنّ حسابها بتويتر باسم أحد أبنائها وأنّه محمي غضبت كثيراً. وأشارت إلى أنّ البعض يرغب في الوصول للمعرف في مواقع التواصل ليروي شغف فضوله، ويتمكن من إطلاق تحليلاته وتفسيراته، وربما النقد أو السخرية من التغريدات، مفيدةً بأنّها لا تسأل الأخريات عن حساباتهن في مواقع التواصل الاجتماعي، بل لا يهمها كثيراً معرفة هل لديهن حساب أو لا، حتى وإن كانت علاقتها بهن قوية، فمن تريد متابعتها ستبادر من نفسها بطلب ذلك. أدق التفاصيل وبيّن "شريف بن أحمد" -إعلامي- أنّ الكثير من المغمورين في مواقع التواصل ينتابهم الفضول الدائم في معرفة أدق التفاصيل عن نجوم الفن، والرياضة، والإعلام، ويظهر حرصهم الشديد على المتابعة اللحظية لكل تغريدة يطلقها النجوم، والتعليق عليها، وإعادة إرسالها، مضيفاً: "أعيش هذا الفضول ولكن بشكل مختلف، من خلال حرصي على متابعة عمالقة الصحافة والمتخصصين في المجالات الاجتماعية والأسرية؛ لارتباط عملي بذلك". وأكّد "بشار خربط" على أنّه يعيش هذا الفضول، وعلى الرغم من عدم دقة الانطباع، إلاّ أنّه يقيس -إلى حد ما- ميول المغرد، أو طريقة تفكيره من مفرداته، وردود أفعاله، مشيراً إلى أنّه لا يصنف نفسه كزائر نشط ل"توتير"؛ بسبب عدم إحساسه بالراحة أثناء استخدامه، إمّا لعدم فهمه الكامل، أو للشعور بعدم الخصوصية. ثلاثة عناصر وأوضح "نبيل زارع" أنّه يتحفظ على الإضافات والمتابعات، ويرفض إضافة من لا يعرفه، معتبراً ذلك بمثابة حماية لخصوصيته، متعجباً: "كيف اطلع من لا أعرفه على جوانب حياتي؟"، مضيفاً أنّه من الضروري أن لا تكون التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة ردة فعل سريعة لما يحدث لنا وإلاّ سنخسر الكثير. وذكر "فهد الفهيد" -مستشار التسويق والإعلام والمهتم بمجال تطوير الذات- أنّ من يريد معرفة الشخصية أمامه عليه أن يقرأ تغريداته في آخر اليوم؛ مما يمكنك من معرفة نمط مشاعره، لافتاً إلى أنّ أفضل طريقة لاكتشاف مشاعر الآخرين تكون من خلال ما يكتبونه من تغريدات، فكل المشاعر دائماً ما تنتج عنها سلوكيات للإنسان بحواسه الخمسة، والتعبير لديه بلغة التواصل يكون بثلاثة عناصر رئيسة: الكلمة، ونبرة الصوت، ولغة الجسد، والتي دائماً ما تتأثر بدوافع داخلية، تخرج عبارة عن ردود فعل، أو احتياجات وتكون ضمن بيئة مجتمعية، وتنتج من خلالها مخرجات الإنسان. أسماء مستعارة وأوضح "الفهيد" أنّ الشبكات الاجتماعية استطاعت أن تصنع أسهل الطرق للتعبير عن ذواتنا ومشاعرنا، ومن يحتاج أن يفضفض أو أن يعبر عن مشاعره، إذ يكفيه أن يدخل على الشبكة العنكبوتية، ويكتب ما يشاء من دون أن يتقيد، فالإنسان عندما يغضب ويكون مقيد من مديره أو والديه لا يستطيع التعبير عما لديه، فيبدأ التصنع، مشيراً إلى أنّ بعض الحسابات تكون بأسماء حقيقية، عادة ما يخرجون بالصفة المثالية، فلا يعبرون عن حقائقهم، ولكن أحياناً يسقطون في بعض التغريدات التي يكتبونها وتعبر عن ذواتهم، وحتى المثالي يحاول أن يصنع بيئة تعكس إيجابيته، وعندما يغضب أو يحزن تجده يتكلم عن كيفية التحكم في المشاعر، أو التأقلم مع واقعه، ويحاول أن يعزز روح التفاؤل في ذاته، أما الأسماء المستعارة فهي تكتب بكل أريحية وتعبر عن حقائقها الداخلية؛ بسبب أنّها غير مقيدة ولا توجد رقابة عليها. دافع فطري وشدد "د. محمد بن مترك القحطاني" -عضو هيئة التدريس بقسم علم النفس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- على أنّ الفضول وحب الاستطلاع موجودان في كل الشخصيات من مرحلة الطفولة وحتى الكهولة، موضحاً أنّ الفضول يدفع الفرد لأداء سلوكيات معينة، منوهاً بأنّ ذلك دافع فطري، مثل دافع التحصيل، والإنجاز، ودافع الجوع، والأكل، والعطش، مشيراً إلى أنّ دوافع السلوك لها درجات مختلفة، فهناك من يحاول أن يشبع هذه الدوافع عن طريق قراءة المجلات، والجرائد، والصحف، والبعض يحاول إشباع فضوله عن طريق التغريدات، ومواقع التواصل الاجتماعي، من أجل أن يعرف الأشخاص كيف يتصرفون وبماذا يفكرون. وأضاف "د.القحطاني" أنّ إشباع دافع الفضول وحب الاستطلاع إجباري وبدرجات متفاوتة من شخص لآخر، موضحاً أنّ البعض لديهم فضول في متابعة تغريدات أصدقائهم أو أقاربهم، إذ تجد سلوكهم يتحرك بشكل قوي تجاه ما يكتبونه، ويحاول أن يتتبعهم، ويحلل ما يكتبونه، مؤكّداً على أنّ دافع الفضول وحب الإستطلاع لا يعتبر حالة مرضية -كما يعتقد البعض-، إلاّ زاد الفضول عند الشخص، حيث يسبب له سلوك قهري لمحاولة إشباعه. حالة نفسية وأشار "د. القحطاني" إلى أنّ بعض الأفراد يحاولون معرفة ميول الآخرين، من خلال تغريداتهم، موضحاً أنّ ذلك يعود لأكثر من سبب: فالتغريدة ثقافة مجتمعية، وهي بشكل عام تعكس ثقافة الفرد، وأحياناً يصل الفضول لديه لمعرفة بماذا يشعر؛ لأنّ التغريدة تستخدم لمعرفة الحالة النفسية للفرد، خاصةً وأنّه أحياناً يحاول التعبير عن مشاعره في تغريداته؛ مما يجعل مواقع التواصل الاجتماعي والتغريدات تكشف لنا إلى حد كبير طريقة تفكير الفرد وثقافته، واهتماماته، وقد نستخدمه كمؤشر للحالة النفسية الراهنة. برنامج تويتر فتح المجال للفضولي لمعرفة أحوال من يريد