عندما كتب بدر شاكر السياب قصيدته الأسطورية (أنشودة المطر) وأصبحت متعلقة بذكرياتنا عند سقوط الأمطار لم يخطر ببال أحد أنها ستمثل بشكل حرفي المآسي التي تطرق لها في أبياته على شكل رموز وصور. كتب الأستاذ يوسف الكويليت مقالاً جميلاً متكاملاً عن المأساة قبل أيام بعنوان الجنرال مطر! على وزن الجنرال ثلج الذي هزم نابليون وهتلر! لكنه أصبح الجنرال مطر كاشف الفساد العتيد وفاضح أسرار مشاريع البنية التحتية المتردية. سأتطرق لموضوع المطر من زاوية الأرقام لان الأرقام لا تجامل ولا تتحامل خصوصا أن بعض المسؤولين كالعادة يخرجون ببعض التبريرات التي لا تقنع طفلاً فما بالك بمجتمع واعٍ! أولا: نسبة هطول الأمطار السنوي حول العالم: فلو قارنا المملكة ببقية الدول لاكتشفنا الفرق المهول وسأعطيكم بعض الأرقام: السعودية معدل سقوط الأمطار السنوي 59ملم/سنوياً فقط بينما دول مثل ماليزيا 2875ملم/سنوياً اندونيسيا 2702ملم/سنوياً وكينيا 630 ملم من الأمطار /سنوياً واليابان 1668 ملم/سنوياً ولقد اخترت هذه الدول بشكل متعمد لمقارنتها بنا لعدة أسباب منها إما أنها تزار بالسعوديين بشكل مستمر ويعرفون نسبة المطر فيها أو لأن إمكاناتها ضعيفة أو لأنها متقدمة لكن تعاني من كوارث طبيعية. فلو أخذنا ماليزيا التي يعرفها السائح السعودي جيداً لوجدنا أن نسبة الأمطار التي تسقط عليها تعادل 48 ضعف ما يسقط على المملكة ومع ذلك لم نرَ أو نسمع أن مطاراتها أو مستشفياتها تسربت المياه داخلها وأصبحت سقوفها تخر! ولم نرَ انسداداً في أي طريق أو فيضان أي نفق! واندونيسيا كذلك رغم قلة الإمكانات لديهم إلا أن مشاريعهم لم تواجه هذه المشكلة أبداً حتى كينيا وهي من الدول الإفريقية ذات الإمكانات المتواضعة جدا لم تشهد مشاريعها هذا السوء رغم أن كمية الأمطار التي تنزل عليها سنوياً 10 أضعاف ما ينزل على المملكة ومع ذلك لا تواجه ما نواجهه! أما اليابان التي تنزل عليها الأمطار أغلب العام بالإضافة إلى وجود شهر معين نسميه موسم المطر ورغم الهزات الأرضية المتواصلة ورغم أن المطر يتواصل غزيراً في بعض الأحيان لعدة أيام إلا اننا لم نشهد أي حالة لتسرب أو انسداد بل انه عندما يتوقف المطر فإنك تجد الشوارع قد جفت بعد فترة قليلة كأنه لم يكن هناك ماء! ثانيا: موسم الأمطار معروف بالمملكة لذلك تستغرب بعض المشاريع كأنها أنشئت لفصل الصيف فقط وكأننا نختلف عن بقية العالم بأنه لا يوجد لدينا شتاء أو أمطار! ولو لاحظنا لوجدنا أن المشاريع التي نفذت قبل عشرات السنين بواسطة الشركات الكورية والأجنبية كإسكان بعض القطاعات الحكومية لم تواجه أي مشكلة رغم مرور عقود على إنشائها! المشاكل كلها بدأت مع بدء المقاول المحلي! ثالثا:عدم التعلم من الأخطاء. والدليل لو سألت أي مواطن عادي بالرياض مثلاً ما هي الأنفاق التي ستغرق إذا أتى المطر فإنه سيعددها بسهولة! لأنها هي نفسها تقريباً في كل عام! ومع ذلك لم يحصل أي عمل جدي لتلافي المشكلة وكأن بعض المسؤولين لم يسمع مطلقاً بالاجراءات الوقائية بل اغلب أعمالهم هي رد فعل وترقيع للوضع ولا يفكر أبدا بالسنة المقبلة! رابع: المطر أثبت أنه كاشف الفساد الأول! وان مئات الموظفين من مكافحة الفساد طول السنة لا يقومون بجزء من عمل المطر الذي يأتي بضعة أيام فقط. إن الحلول الترقيعية وعدم المبالاة وعدم المراقبة على مشاريع الوطن أصبحت ظاهرة لا تحتاج مزيدا من الأدلة وللأسف نعيد نفس الكلام كل عام! والآن حان الوقت لعمل جذري للتصدي لهذه الظاهرة. إن جهات مراقبة المشاريع في الجهات الحكومية ضعيفة وبعض المكاتب الاستشارية لتتبع سير المشروع أثبتت أنها غير نزيهة وبإمكان المقاول المنفذ إغراءهم من تحت الطاولة ! لذلك لابد من عمل هيئة أو وزارة لمراقبة تنفيذ مشاريع الحكومة ووضع تعاقداتها مثل ما كانت وزارة الأشغال القديمة طيبة الذكر تفعل! ونقترح بالوضع الحالي أن لا يسلم أي مشروع حكومي إلا في فصل الشتاء وبعد موسم الأمطار لأن المطر أصبح للأسف هو كاشف الفساد وفاحص البنية التحتية المعتمد! وأصبحنا نردد أبيات أنشودة المطر بشكل مختلف! أصبحنا نقول:(أتعلمين أي حزن يبعث المطر؟ وكيف تنشج الأنفاق إذا انهمر؟ أصيح بالمطر يا مطر – يا كاشف الفساد فيرجع الصدى كالنشيد – يا مطر يا كاشف الفساد -- مطر مطر مطر......