غرقت دبي كما غرقت الرياض. في الطرق الخلفية ستجد بحيرات واسعة وعميقة يمكن أن تسبح فيها أسماك القرش. كثير من الزملاء الكتاب جعلوا من دبي نموذجا يقاس عليه كل شيء اسمه مدينة. لا شك أن دبي مشروع إنساني يثير الإعجاب. في أقل من عقدين من الزمان استطاعت أن تكون واحدة من أهم وأشهر المدن على مستوى العالم. لكن دبي تبقى مدينة من صنع الإنسان والطبيعة لا تعرف الحدود التي يمكن أن تقف عندها. الكوارث الطبيعية يمكن التعامل معها ولكن لا يمكن التصدي لها مهما كانت الخطط ومهما كانت الإمكانات. تعودنا أنا وعائلتي أن نجلس في موسم الأمطار في بلكونة البيت الوحيدة والمهجورة. بنيت هذه البلكونة كجزء من مخطط مستورد. لا يمكن الجلوس فيها بسبب أنها مكشوفة على الشارع. (جميلة وممتعة في أي مكان في العالم ولكنها لا تصلح في الرياض). اكتشفنا أهميتها وضرورتها مع أول سنة نشهد فيها موسم أمطار غزيرة تهطل على الرياض بعد أن سكنا في هذا البيت. تطل البلكونة على أرض فراغ ما يسمح لنا أن نتفرج على الأحداث التي تجري في الشارع الذي يلي الأرض. يعد شارعنا هذا من أهم وأكبر الشوارع في الرياض. صرنا ننتظر موسم الأمطار لكي نتفرج على فوضى الناس. صار غرق هذا الطريق متعة عائلية. تعودنا أن يغرق سنويا بنفس المستوى وبنفس الطريقة. السيارات تتعطل والناس تخوض في الأوحال تاركين سياراتهم طافحة في المياه وما زاد من المياه، وهو كثير، لا يجد له مصرفا سوى الدكاكين والمحلات التجارية فيغسل داخلها بالأوحال والطمي. منذ عام 2010 لم نجلس كعائلة في البلكونة المذكورة بسبب دواعي السفر. لا نعود للمملكة إلا في الصيف. والصيف لا مطر فيه فنسينا أمر البلكونة. مهمتها تتوقف على التفرج على الفوضى التي تسببها الأمطار. قدر لي هذا العام أن أكون في الرياض وأن أستمتع بالأمطار الجميلة وقدر لي أيضا أن أرى في البلكونة ما كنت أراه على مدى سنوات. إذاً الأمر لم يتغير. يمكن أن تتكيف مع الأمور التي لا تملك السيطرة عليها أو أن حلولها أكثر كلفة من الأضرار التي قد تسببها أو بسبب ضيق ذات اليد. كل هذه الشروط غير متوفرة في إطلالة البلكونة. مسافة محدودة لا تتعدى مئة متر من الشارع تتراكم فيها الأمطار. إذا حسبتها بالفلوس لا أظن انها ستكلف أكثر من مليونين أو ثلاثة لنقل خمسة. في السنوات الثلاث الماضية جرت أشياء كثيرة على هذا الشارع وفي مسافة المستنقع بالتحديد. غيرت مواضع الإشارات وأعيد ترصيف بعض الطرق ويقال إن البلدية بصدد بناء نفق حيث تشاهد المعدات والآلات منذ أكثر من ثلاث سنوات في نفس المكان. يبدو ان المخططين في الأمانة فكروا في كل شيء إلا مسألة التصدي لحالة المستنقع المتكررة سنويا. احتاج إلى خيال أكثر مما أملك لكي أفهم هذا المنطق. المشكلة ليست في الحادثة فالإنسان يتعلم من تجاربه ويخزن الخبرات. سأنتظر إلى العام القادم لأعرف هل دبي تتعلم من التجارب أم أن سعيداً أخو مبارك؟!