مجلدات التاريخ العربي كُتِبت بقطرات الدماء والدموع حتى أحمّرت الحروف، وخاصة في العصر الجاهلي قبل أن يوحد الإسلام الحنيف أمة العرب وينقذها من الضلال. ولكن وحتى بعد الإسلام عادت قبائل العرب وأحزابها إلى الاحتراب وقتل الأقارب والأحباب متناسين قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم (لا تعودوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) فبمجرد وفاة النبي الكريم ارتدت كثير من قبائل العرب عن الإسلام، فلم يرتدعوا إلاّ بحروب الردة!.. ولم تكد تنتهي حتى خرجت فِرَقٌ ضالة أشهرها (الخوارج) الذين كفّروا المسلمين وقاتلوهم حتى أباد الله الخوارج فظهر من أصلابهم إرهابيون لا زالوا يحاربون العرب والمسلمين حتى اليوم! ونبكي حين نذكركم عليكم .. ونقتلكم كأنّا لا نُبَالي! التاريخ العربي تراجيديا سوداء لم يضئ سوادها الحالك إلا نور الإسلام الذي جعل من العرب أمة من أفضل الأمم وجمع قلوبهم على كلمة الإخلاص فسادوا الأمم وصنعوا أعظم حضارة اشترك فيها المسلمون من كل جنسية ولون لأن الإسلام الحنيف حقق للجميع العدل والمساواة وجعلهم عباد الله إخوانا. وحين نعود لتاريخ العرب القديم نجد أن حروب الأقارب هي الأصل، وأن فترات السلم هي الاستثناء، فقبل الإسلام كانت غارات القبائل على بعضها قدراً مقدوراً.. وإن لم يجدوا من يغيرون عليهم أغاروا على إخوانهم وأبناء عمهم: وأحياناً على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلاَّ أخانا وتوجد حروب كثيرة بين الأقارب غطى عليها ثلاث حروب طويلة إليمة تقاتل فيها الأقارب حتى كاد يفني بعضهم بعضاً، والغريب أن سبب كل تلك الحروب تافه جداً: * حرب البسوس: بين تغلب وبكر (أبناء عم) وسببها مجرد قتل ناقة! ولهذا السبب التافه احترب أبناء العم أربعين عاماً حرباً طاحنة أهلكت النسل والضرع، وأتت على المذنب والبرئ، ولم يقبل (الزير سالم) أي صلح إلا بأن يحيوا له أخاه! يالبكرٍ انشروا لي كليباً يالبكرٍ أين أين الفرارُ؟! دعوتك يا كليب فلم تجبني وكيف يجيبني البلد القفارُ؟! خُذِ العهد الأكيد عليَّ عمري بتركي كلّ ما حوتِ الديارُ وهجري الغانيات وشربَ كأسٍ ولبسي جُبَّةً لا تُستعارُ ولستُ بخالعٍ درعي وسيفي إلى أن يخلعَ الليلَ والنهارُ وإلاَّ أنْ تبيد سُراة بكرٍ فلا يبقى لهم أبداً آثارُ! والزير قول وفعل! كان أشجع من أسد وأقسى من حجر وأعند من العناد نفسه! لقد أباد سراة بكر! حرب داحس والغبراء بين بني العمومة: عبس وذبيان وسببها خلاف على سباق بين فرسين!! واستمرت أكثر من عشرين سنة تطحن رحاها القبيلتين وهي موثقة في أشعار عنتره وزهير وغيرهما من الشعراء. حرب بعاث بين الأوس والخزرج أشعلها يهود يثرب بين أبناء العم فاستمرت نارها تحرق القبيلتين حتى أنقذهم الله - عز وجل - بالإسلام وهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فألف الله بين قلوبهم وصاروا بنعمته إخوانا. وكما أنه لا يوجد أجمل من المحبة والتعاون بين الأقارب، فإنه لا يوجد أقبح ولا أسوأ عاقبة من التباغض والتحارب بين الأقارب حيث يقتل الإنسان بعضه ويخوض في دم أقاربه فالمنتصر كالمهزوم والشامت رافع رايته وأحقاد الأقارب تزداد مع ضراوة الحرب وسعي الأشرار وذوي النميمة ومثيري الفتنة! وحتى عداوات الأقارب حول ميراث ميت أو مكاسب دنيا أو بسبب الحسد أحياناً، تورث الضغائن والبغضاء، وتقطع الأرحام، وتؤجج الأحقاد، وتشمت فيهم الشامتين. وقبل توحيد المملكة بقليل كانت حروب الأقارب وضراوة العداوة موجودة.. يقول بركات الشريف: إلى نبحتنا من قريبٍ كلابه ودبّت من البغضا علينا عقاربه نحيناه باكوار المطايا ويمّمت بنا صوب حزمٍ صارخاتٍ ثغالبه بيوم من (الجوزا) يستاقد الحصا وتلوز باعضاد المطايا جخادبه فمن قلّط الهندي ومن وخّر العصا جلا الهم واصبح نازح عن قرايبه ومن وخّر الهندي ومن قلّط العصا أمسى بذلٍ ركبٍ فوق غاربه إذا انحلّ أوراك الصدود فورّه صدود ولو كانت جزايل دهايبه وترى ما يعيب الدوح إلاّ من أصله ولا آفة الإنسان إلا قرايبه ولكن بركات كان حكيماً ومن أسرة عريقة فعاد للصواب. وقبل توحيد المملكة على يد بطل العروبة والإسلام الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصين كانت الحروب في جزيرة العرب قد عادت جذعة! وكانت الغارات بين القبائل مشتعلة! ولكن الله - جل جلاله - جمع قلوبهم تحت راية التوحيد بقيادة البطل التاريخي النادر الملك عبدالعزيز طيَّب الله ثراه، فشاركت القبائل في توحيد المملكة، ونبذت الغارات على بعض، واتحدت يداً بيد، فقام هذا الكيان الشامخ: المملكة العربية السعودية والتي هي مفخرة وعزّ وعزوة لكل العرب والمسلمين.