الرياض – يوسف الكهفي د. سحر رجب: أخذت منحى آخر بعيداً عن ثقافة النكتة. د. ثريّا العريّض: استثارة حالة ضحك عام تحمي من زمجرة المنتقدين. طلال حمزة: سقف النكتة يرتفع كلما تصاعد الإحباط وتفشى الفساد. أصايل نجد: تعبير عن واقع يصعب نقده بشكل مباشر. القحطاني: ثقافة اجتماعية تتميز بها بعض القبائل. الصقعبي: النكتة في الخليج «ترف».. ومنشؤها مجالس الأثرياء. الزهراني: رسامو الكاريكاتير أكثر الناس حزناً. سعدية مفرّح: نضحك على حالنا لنتقبل الأمر أحياناً. أصبح ل «النكتة» حضور لافت في مجتمعاتنا العربية، ولاسيما الخليجية منها، وذلك من خلال انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي «تويتر» و»فيسبوك» و»يوتيوب» والرسائل النصية و»البلاك بيري» والموبايل ووسائل الاتصال الحديثة المختلفة، وفي الوقت الذي رأى فيه مختصون أن انتشار النكتة في المجتمع جانب إيجابي عندما تكون فسحة للراحة من هموم الحياة وراحة للأعصاب، معددين فوائدها التي لا تقتصر على الضحك فقط بل تمتد لتقوية العلاقات الاجتماعية، وكسب الناس من خلال خفة الدم.. وتقريب وجهات النظر، يرى آخرون أنها هروب من الواقع، ومن باب شر البلية ما يضحك وأصبحت تتداول على مصائب قوم، وبكل أريحية حتى أصبح «المحشش» قدوة للكثيرين من الشباب، وهو الأمر الذي طالبوا بمعالجته من كل المهتمين على الصعيد الفردي وعلى الصعيد المؤسساتي الثقافي. أمر إيجابي د. سحر رجب ترى مدرب إزالة المشاعر السلبية الدكتورة سحر رجب أن النكتة بشكل عام هي أمر اجتماعي إيجابي في المجتمعات المفتوحة عندما تكون فسحة للراحة من هموم الحياة وراحة للأعصاب، وقالت «نرى أن بعض الفلاسفة في العصر الحديث مثلاً ومنهم الفيلسوف الفرنسي بيرجسون كان يقوم عند إلقائه إحدى المحاضرات بأن يفتتح محاضرته بإلقاء نكتة أمام الحضور من الجمهور وتضج القاعة بالضحك بعد سماعهم لها مما يؤدي إلى خلق جو من الراحة والانتعاش النفسي للجمهور والتهيئة الذهنية لاستقبال المحاضرة. وقد اشتهر المصريون والعراقيون بتداول النكات كأكثر الشعوب العربية تعاطياً لها؛ نتيجة للواقع اليومي البائس الذي يعيشونه في كل مجال من ضيق فرص ومنافذ التعبير عن الرأي، ووجدوا أن النكت والسخرية من باب الدعابة وإفراج الخاطر». المحشش قدوة وتضيف رجب «ما نشهده اليوم من تبادل النكات عبر وسائل الاتصال أخذ منحى آخر بعيداً عن ثقافة النكتة المراد بها الترويح عن النفس وتفريغ الشحنات، فمن المؤسف أنها أصبحت تتداول على مصائب قوم، ومن المخجل أيضاً أننا نتداولها بكل أريحية حتى وصل بنا الأمر أن أصبح المحشش قدوة وهذا كثير جداً، وهو الأمر الذي يحتاج إلى معالجة جادة من كل المهتمين على الصعيد الفردي وعلى الصعيد المؤسساتي الثقافي». أوجاع الحاضر د. ثريا العريّض وتقول الدكتورة ثريّا العريّض «إن مفهوم الجيل الجديد للنكتة يقطر مرارة من أوجاع الحاضر التي تؤلم الأغلبية، أو من باب شر البلية ما يضحك.. وما لا تستطيع قوله لأن في فمك ماء تعرضه كنكتة.. استثارة حالة ضحك عام تحميك من زمجرة البعض الذين تتعرض لهم بالنقد، بينما الجيل السابق تتركز نكتهم على مواقف أحرجت الآخرين». ضحك وسخرية طلال حمزة ويرى الكاتب والشاعر طلال حمزة أن النكتة نتاج طبيعي لحالات والإحباط، فالشعوب تتغلب على هذه الحالات بالضحك والسخرية، فكلما ارتفع مستوى هذه الحالات زاد انتشار النكتة وأصبحت أكثر عمقاً واحترافية وزادت تنوعاً أيضاً، فهي تبدأ من الشخصي والخاص ثم تكمل دورتها مروراً بالاجتماعي والاقتصادي، ثم تعود إلى الشخصي والخاص من جديد، فالشعوب العاملة لا وقت لديها لإضاعته أما الشعوب المعطلة فلا تجد ملجأً تلجأ إليه كالسخرية من أوضاعها وظروفها، فالإنسان يحتاج لتفريغ طاقاته السلبية حتى لا يقتله الكمد. أخيراً ما يحدث هو: أن سقف النكتة يرتفع كلما تصاعد الإحباط وتفشى الفساد. تعبير عن واقع وتقول الشاعرة أصايل نجد «إن النكتة أصبحت تعبيراً عن واقع يصعب نقده بشكل مباشر.. ». وتضيف: للنكتة فوائد لا تقتصر على الضحك فقط بل تمتد لتقوية العلاقات الاجتماعية، كسب الناس من خلال خفة الدم.. وتقريب وجهات النظر؛ لذلك نجد الكثير من الرافضين لمستواهم المعيشي أو لوضعهم كالعاطلين أو المقهورين يلجأون للنكتة «ليقولبوها» بشكل ساخر على هيئة نكتة. ثقافة اجتماعية حسين القحطاني ويؤكد الكاتب والشاعر حسين فهد القحطاني: أن النكتة ليست نتاج كبت أو معاناة بقدر ما هي ثقافة اجتماعية. ويضيف «نحن في الأساس مجتمع محب للمزح والنكتة.. حتى أن بعض المناطق أو القبائل تعرف بطرافة حديثها وردودها، ومثال على ذلك لدينا بعض القبائل العريقة تشتهر بالطرافة في الحديث والردود غير المتوقعة، وهذا يدل على ثقافتها الاجتماعية ونجاحها الاجتماعي». مجالس الأثرياء سليمان الصقعبي ويقول سليمان الصقعبي: النكتة في الخليج عموماً تعتبر ترفاً.. وغالباً ما يكون منشؤها مجالس الأثرياء.. وهنا الفرق.. ولكنها غالبا ردة فعل لضغط معين سواء اقتصادي أو اجتماعي وربما فكري، والسبب الأخير ربما ينطبق أكثر على النكتة السعودية. صناعة النكتة ويرى الشاعر والإعلامي عبدالمجيد الزهراني: أن كل ما يتعلق بمشاعر الإنسان لا يأتي من فراغ، وتجد أن أكثر الناس حزناً هم رسامو الكاريكاتير، ولهذا قلت ذات يوم إن رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي لم يمت مغتالاً بل مات من الضحك. وقصدت أنه مات من حال القضية الفلسطينية المحزن، وهي ضائعة بين الوطني حقاً والعميل. الأحزان هي من تصنع النكتة، ومواقع التواصل دليل آخر». رحم المعاناة سعدية مفرح وأرجعت الشاعرة والإعلامية سعدية مفرّح سبب انتشار النكتة إلى المثل المتداول: «شر البلية ما يضحك».. ولكنه كما يقول المتنبي ضحك كالبكاء، فنحن نضحك على حالنا لنتقبل الأمر أحياناً، ولنتجاوزه أحياناً أخرى.. وربما لأننا غير مصدقين له فنسخر منه. ويقول الشاعر والإعلامي محمد علي العمري: إنه مثلما أن الشعر يولد من رحم المعاناة، فإن النكتة تولد من رحم الفقر، ولك أن تقارن بين مستوى «خفة الدم» بين الأثرياء والفقراء لتقتنع بأن النكتة ابنة الفقر والعوز! ويرى الشاعر غازي العكشان أن المعاناة هي الممول الحقيقي للنكتة. ويقول: من وجهة نظري نتائجها إيجابية؛ لأنها في الأخير تحمل رسالة لهَمِّ المواطن بطريقة محببة. مضحك مبكٍ عارف سرور وقال الشاعر عارف سرور «أعتقد أننا كنا نمارس في كتاباتنا في السابق عبارة «المضحك المبكي» دون أن نعي أبعاد هذه العبارة، لكننا في السنوات الأخيرة أصبحنا أكثر التصاقاً بهذه العبارة، وأكثر الأشياء المحيطة بنا وخارج حدودنا هي تحت خط المضحك المبكي ولا يوجد أصعب من الضحك بكاء، فالضغوط تولد نوعاً من السخرية يمارسها الناس من أجل رسم كاريكاتير على وجوهنا للتعبير عن آلامنا ببسمة. وتقول الإعلامية والشاعرة تذكار الخثلان: أرى أن سبب النكتة هو اختصار كثرة الآلام والضغوط الحياتية التي سطت على حياتنا لنداويها بتلك النكت التي قد تجسد بعض ما نعانيه من قسوتها. محمد العمري