قد لا يعرف جيل اليوم جيل المطاعم معنى (الزاد) ذلك الهم الأساس للعربي في زمن مضى ولبعض فقراء العرب اليوم. وللشرح بشكل مبسّط أقول هو الطعام أو طعام المسافر بشكل خاص وقت كان السفر مشقّة فعلاً؛ فلا استراحات على (الهاي ويز) ولا أكشاك تبيع القهوة الساخنة والكرواسون على ضفاف الطرق السريعة وفي كل (Exit). لو أردت إحراق حكاية اليوم قبل أن تبدأ لقلت باختصار شديد أننا مسرفون جداً في الطعام لدرجة الاستهتار بالنعمة ولم يحدث في تاريخ العرب وجود من يرمي الطعام في براميل النفايات وفي الصحاري والمتنزهات. لكن لأن للحكاية بقيّة سأستمر في الرجوع للماضي حيث كان للطعام قيمة بل ثقافة عند العرب. من الطبيعي وجود شح في الطعام آنذاك لبدائيّة الحياة وفقر الموارد لهذا فالحصول على طعام الوجبة الواحدة يعتبر تحقيق إنجاز. يقول الشاعر العربي: ولستُ بخابئ أبداً طعاماً حذارَ غد ، لكُل غدٍ طعامُ تصوروا أن يتردد أحدنا هل يحفظ طعام اليوم ويبيت جائعاً حتى يأكلهُ في الغد يعني صيام يومٍ بعد يوم ليس تعبداً ولكن خشية عدم توفر الطعام في كل غد؟؟ العجيب أن التاريخ يقول بان الإسراف في الطعام عند الوجهاء والمقتدرين بدأ مبكراً عند العرب فحين شبعوا بعد جوع تفننوا في الإسراف. فبعد أن كان الطعام والجوع هاجسهم أصبحوا فيهِ من المُسرفين لدرجة أن قيل عن كبارهم بأنهم يتّخذون لكل صنف من أصناف الطعام طاهياً خاصاً فهذا للّحوم وذاك للطيور وثالث للإيدام ورابع للحلوى هذا غير نُدل الشراب بأنواعه. اليوم.. ما أقسى ما يحدث اليوم. تكفي زيارة سريعة لمخازن بيوت متوسطي الحال أو ما يُسمى بالطبقة الوسطى في المجتمع لنرى العجب في تكديس أصناف الأغذية المعلبة منها وفي الأكياس لدرجة أن تنتهي مدة صلاحيتها للاستهلاك و(القواطي) لم تُفضّ بعد! لأن معظم أهل البيت يأكلون من (الدلفري) الذي يتردد صبح مساء يحمل لهم (الهمبرغر) و (البيتزا) ولكبارهم (المندي) و(المثلوثة)..! ما علينا، المهم هو الحفاظ بكل حرص على الطعام وقت الرخاء حتى نجدهُ وقت الشدّة. محطّة القافلة كانت الدعوة إلى وليمة في ما مضى تعتبر بحكم ضمان وجبة طعام واليوم يحضر للأعراس أحدهم ولا يلبث سوى دقائق من أجل الوجاهة ربما ثم يغادر رغم أن أصحاب العرس قد تكلّفوا في الطعام تحسباً لذوق هذا "الوجيه" الشبعان. طيب اختصروها من البداية واشتروا راحتكم وأموالكم.