في الأسابيع القليلة الماضية، ونتيجة للحادث المؤسف الذي عُرف بحادث اليوم الوطني، استدعى بعض الكُتَّاب وبعض النُّخب المجتمعية كل ذخيرتهم اللغوية، والتحريضية، وكل عبارات الذم والقدح والتحريض لتأليب الدولة والشباب والمجتمع على هيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وتحميلها كل الموبقات والآثام، أقلُها تهديد حياة الإنسان، وإهدار حريته، وكرامته. وحتى لدرجة المطالبة بحل جهاز الهيئة، وإلحاقه بجهاز الشرطة والأمن!! وقبل أيامٍ معدودة، وإثر حادث التحرش الصادم الذي استهدف فتياتٍ في أحد أسواق الظهران، حدث ما يُشبه الفرملة لحملة التأليب على الهيئة، بلْه أنَّ العديد من الكُتَّاب وأصحاب الرأي والفكر، وشرائح مجتمعية واسعة طالبت بدعم كل الجهات الضبطية، ومنها جهاز الهيئة، لمكافحة التحرش، وتطهير أسواقنا وشوارعنا من هذه الظاهرة الخطيرة، التي تُهدد الأعراض وتنتهك قِيم المجتمع وفضائله. مع الأسف الشديد هناك نوع من الفجور في الخصومة، وتحت هذا العنوان يتم تمرير العديد من المواقف الحادّة والمتشنجة، التي لا يستقيم عودها في التحليل المنطقي والموضوعي، ولا يتماهى بالتأكيد مع المسؤولية المهنية، حتى في أدنى درجاتها. جهاز الهيئة له أخطاء، وكانت له في السابق تجاوزات غير مبررة، وأقول بكل صدقٍ ومصداقية أنَّ الأمور قد تغيرت بدرجة كبيرة، منذ تسنم معالي الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ رئاسة الهيئة، فالرجل، وخلال فترة قصيرة نسبياً أعاد هيكلة الهيئة من جديد، وأرسى قواعد عمل محددة، شدد على الالتزام بها، ونبذ كل فكرٍ وعملٍ داخل الجهاز لا يخدم رسالة الحِسْبة بشكلٍ حضاري محترم. الأخطاء في العمل واردة وواقعة، فالعمل البشري مظنةٌ للخطأ والصواب، وهذا حال جهاز الهيئة وسواه من أجهزة الدولة العاملة،، فلماذا هذه الانتقائية التي تستهدف جهاز الهيئة دون سواه!! الأخطاء فردية، وليست سلوكاً وسياسة ممنهجة، والهيئة قبل غيرها، حريصة على محاسبة المخطئين، وتقديمهم للجهات المختصة، والقضاء الشرعي. وقضية الشابين رحمهما الله المعروضة تحت نظر جهات التحقيق، تؤكد على شفافية الهيئة ومصداقيتها في التعامل مع هذه النوعية من القضايا، وكذا الحال بالنسبة للعديد من القضايا السابقة. وتصريحات معالي رئيس الهيئات بعد حادث اليوم الوطني كانت واضحة ودقيقة في أنَّه لن يتدخل في مجريات التحقيق، ولن يسمح على الإطلاق بأيَّة تجاوزات تلقي بظلالها على سمو رسالة الحِسْبة. دعوا الرجل يعمل: خلال فترة وجيزة أنجز تنظيماً جديداً للهيئة، ويجري حالياً العمل على إنجاز لائحة تنظيمية جديدة، لن تكتنفها الضبابية والغموض، كما كان الحال في نظام الهيئة السابق ولائحته التنظيمية. دعوا الرجل يعمل: جهود التطوير والتدريب والبناء المؤسسي تترى، وثقافة المهنية والشفافية في مناهج العمل، وأساليب الإدارة، تتعزّز، لتغدو شعار المرحلة وأيقونتها. دعوا الرجل يعمل: فالمجتمع والناس يعانون من مصائب وويلات السحر، والشعوذة، والابتزاز، والاتجار بالبشر، وترويج الخمور وتعاطيها، والجرائم المعلوماتية... والهيئة بشهادة خصومها قبل مؤيديها، هي الأقدر على مكافحتها، ووقف شرها وشرورها عن البلاد والعباد. إذن! من الظلم والإجحاف البيّن، غض السمع والبصر والنظر والفكر عن كل هذه الجهود الاستثنائية، خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا، وإصرار أفرادٍ أو جهاتٍ بعينها على شيطنة الهيئة، وأنَّها لا تعدو أن تكون معقلاً لمجموعة من المتشددين المُتفلتة من عقالها، تعمل وفق هواها، وأهوائها. هذا الخطاب والفكر التحريضي، لن تنجح محاولات تسويقه، فالرأي العام أكثر وعياً ومعرفة، بما يدور في الساحة الإعلامية، وأكثر قدرة على فرز الغث من السمين، والسقيم من الصحيح. وأكثر حيطةً من تأثيرات ومؤثرات السفسطة والجدل والترف العقلي. كلمة أخيرة:القائد الإداري الناجح هو من يمتلك الفكر المستنير، والرؤية العلمية، والمهارة العملية، والثقة بالنفس، التي تؤهله لاتخاذ القرارات الفاعلة، وتحسين وتطوير بيئة العمل، والتَّصدي لكل العناصر المقاومة للتغيير والتطوير. وأحسب معالي رئيس الهيئات كذلك، والله حسيبه ولا أُزكي على الله أحداً. حكمة: وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ