أهلي يلوموني ولا يدرون.. والنار تحرق رجل واطيها لا يسهر الليل إلاّ من به ألمٌ .. لا تحرقُ النار إلا رجل واطيها العنوان أعلاه: (ويلٌ للشجي من الخلي) مثل عربي يُضربُ لعدة أمور، منها لوم الذي لم يعشق للعاشق، وسرقة وقت لمشغول بأمرٍ هام، والضحك في حضرة المحزون، واستنكار التوجع على من به مرض شديد.. الشج هو الذي في داخله همٌّ كبير.. والخلي هو الذي لا همَّ لديه.. لا شيء يهمه أو يشغل باله.. فهو - الخلي - مرتاح خالي البال.. أما الشجي فهو مشجوج من الداخل، محزون في الأعماق، مهموم إلى حد الانكسار. وقد وردت أشعار مختلفة في هذا المعنى، بالشعبي والفصيح، ولكن أكثرها جاءت من عشاق يلومهم من لا يعرف العشق ولم يجربه يوماً. قال الشاعر (وأظنه من اليمن): روح المحب على الأحكام صابرةٌ لعل مسقمها يوماً يداويها لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها لا يسهر الليل إلا من ألم به لا تحرق النار إلا رجل واطيها إني وقفت بباب الدار أسألها عن الحبيب الذي قد كان لي فيها فقلت يا دار أين أحبابنا رحلوا؟ ويا ترى أي أرضٍ خيَّموا فيها فما وجدت بها طيفا يُكلمني سوى نواح حمام في أعاليها ناحت: قبيل العِشا شدوا رواحلهم وخلفوني على الأطلال أبكيها إن كنت تعشقهم قم شدَّ والحقهم هذي طريقهم إن كنت تقفيها لحقتهم فاستجابوا لي فقلت لهم إني عبيدٌ لهذي العيس أحميها قالوا أتحمي جِمالاً لستَ تعرفها فقلت أحمي جمالاً سادتي فيها وهذه الأبيات نسجت مؤخراً - كما يظهر تضميناً للبيت الشهير الذي سار مسير الأمثال: لا يعرف الشوق إلاَّ من يكابده ولا الصبابة إلا من يُعانيها وقد سار أعرابي إلى أهله وأحبابه بأرضِ نجد قادماً من العراق، وكان معه صاحب يلومه على صمته وزنه وإسراعه في المسير، فقال حين أقبلوا على نجد ودخلوها: أقول لصاحبي بأرض نجدٍ وجدَّ مسيرنا ودنا الطريقُ أرى قلبي سينقطع اشتياقاً وأحزاناً وما انقطع الطريقُ ويذكرني هذان البيتان بمقطوعة شعرية رقيقة من كلمات الأمير بدر بن عبدالمحسن، وشدا بها طلال مداح - رحمه الله - وفيها أن العاشق يسهر والمعشوق ينام، الأول شجي، والثاني خليّ: نام الطريق يا عيوني أنا نام الطريق وسهرت أنا يا خطوه عذّبها البعاد يا دمعة ذوّبها السهاد تعب الطريق ما تعبت أنا! سامع ندايا يا قمر حاسس معاينا بالسهر؟ والا أنا واخذاك النجوم من الفرحة ما تقدر تنوم؟! ناسيني جنبك يا قمر ناسيني حتى من الهموم عشاق الليالي.. والهوى عشاق سهروا الليالي والنوى المشتاق عشاق الليالي.. يا حاسين بحالي طالت مشاوير العذاب صارت أمانينا سراب يا خطوه عذبها البعاد يا دمعة ذوبها السهاد تعب الطريق ما تعبت أنا..! وتتقارب مع أغنية عبدالحيلم: ماشي الطريق من كم سنا ماشي الطريق.. تعب الطريق ما تعبت أنا.. تعب الطريق.. وللشاعر البائس فهد العسكر - وكان كفيفاً وعاشقاً - وشدا بها شادي الخليج وغيره، وهي مشهورة: كُفَّي الملام وعلليني فالشك أودى باليقين وتناهبت كبدي الشجونُ فمن مجيري؟ من معيني؟ الله يا أمي فيَّ.. ترفقي لا تعذبيني ارهقت روحي بالعتاب فأمسكيه.. أوذريني أنا شاعرٌ.. أنا بائسٌ.. أنا مستهام فاعذريني أنا من حنيني في جحيم آهِ من حرّ الحنين ضاقت بين الدنيا.. دعيني أندب الماضي دعيني فأنا السجين بعقر داري فاسمعي شكوى السجين والأم ليست خلية بل شجية أكثر، وشكواه تدمي منها الفؤاد. ولأبي الأسود الدؤلي: ويلُ الشجيَّ من الخليِّ فإنه نصب الفؤاد لشوه مغمومُ وترى الخليَّ قرير عين لاهياً وعلى الشجي كآبةٌ وهمومُ ويقول: مالك لا تقول مقالتي ولسان ذا طلق وذا مكظومُ فهد العسكر