لم تعد آثار مدينة الأخدود وقصر الإمارة التاريخي وحدهما وجهة زوار منطقة نجران، ولا تمثل آبار حمى وغابة «سقام» وجبل «همدان» المعالم الوحيدة في المنطقة. فسوق «الجنابي» في نجران يظل رمزا آخر لا يقل أهمية عن تلك المعالم، باعتباره الأشهر ليس على مستوى نجران وحسب، بل على مستوى الأسواق الشعبية في المملكة، نظرا لحجم مبيعاته، وحركة البيع والشراء فيه ويبدو من الصعب أن يقاوم كل من قادته قدماه سواء كان سائحا أو زائرا سحر هذا السوق الشعبي العتيق. ويقع السوق في حي أبا السعود بلد نجران التاريخي ويقف شامخا في وجه التحديث، خاصة وأنه يستمد وجوده وشهرته من تمسك أهالي نجران وتميزهم «بالجنبية» حيث يشتهر أهالي منطقة نجران بارتداء الجنبية وهي نوع من الخناجر العربية تربط بحزام يلف حول خاصرة الرجل وتعطيه ثقة أكثر بنفسه، فقد كان الناس قديما يلبسونها تحسبا لأي طارئ دفاعا عن النفس كسلاح قاطع كالسيف، وتستخدم حاليا لزينة الرجل وتلبس في المناسبات كرمز للأصالة ومصدر للفخر، ولها قيمة اجتماعية عالية يتفاخر بها الناس فيما بينهم إلى درجة أنها تعتبر أغلي هدية يقدمها النجراني إلى من يحب. هنا أوضح ناجي اليامي، أن سوق الجنابي أقدم أسواق المنطقة، يشهد حركة دؤوبة في كافة المواسم كونه يتعامل بأهم موروث «نجراني»، ولا تجد مناسبة كبيرة أو صغيرة إلا وأن جميع الرجال يلبسون «الجنبية» كرمز للأصالة وتراث تناقلته الأجيال عن الآباء والأجداد. المتدربون المشاركون وقد عرفت «الجنبية» منذ العصور القديمة، في الجزيرة العربية والدليل على ذلك النقوش الأثرية على جبال نجران التي توضح أن «الجنبية » كانت تستخدم في ذلك الحين. وتتكون «الجنبية» من أربعة أجزاء، المقبض أو الرأس، والجنابي الجيدة تعرف بنوع مقبضها والذي يتحكم في سعرها، ولعل أبرز أنواع الرؤوس هي «الزراف»، «الصيفاني» و«القرن» المصنوع من قرن وحيد القرن، وتستخدم القطع الذهبية والفضية في تزيين مقبض «الجنبية»، إلى جانب أن دقة الصنع والقدم واللذين يسهمان في رفع أسعارها، ويأتي النصل أو السلة، وهي قطعة معدنية حديدية مائلة إلى اليمين بالغة الحدة، فكلما ثقل وزن الحديد المصنوع منه النصل زاد وزنها وقوتها، وأيضا الغمد ويصنع من الخشب وشجر العشر، وهو مجوف الشكل وتوضع الجنبية داخله ليحميها من التلف وتكون مزخرفة بأعمال فنية عديدة من الفضة والجلد، وأخيرا الحزام والذي يصنع من الجلود ويستخدم لربط الجنبية حول الخاصرة بعرض 2 3 بوصة. ويزدادالإقبال على سوق الجنابي بصورة كبيرة في الأعياد وفي فصل الصيف، حيث تكثر المناسبات، كما أن هناك تزايدا تدريجيا داخل المجتمع لاقتناء الجنبية اذ يعتبرها الكثير ضرورة لا بد منها، وأسعار الجنابي تتفاوت ما بين الألف ريال وتصل أحيانا إلى 100 ألف، ويقوم أصحاب محلات بيع الجنابي بشراء رأس الجنبية جاهزا ويقومون بعمل النصل والغمد والحزام في ظرف أسبوع قبل طرحه للبيع، كما يوجد جنابي مقلدة لكن اهل الخبرة يميزون الثمينة من الرديئة منها. ويعتبر سوق الجنابي في حي أبا السعود رمزا من رموز المنطقة، حيث يقصده المواطن النجراني من كل مكان سوءا كان بعيدا أو قريبا، مصطحبين أبناءهم الصغار والكبار لحرصهم على تعليم أبنائهم هذا الموروث التاريخي. أحد باعة الجنابي في سوق نجران كما يوجد عدة اسواق مختلفة في نجران، حيث تخصص أسواق للفخاريات، وأسواق للنساء تعرض فيها بعض المشغولات اليدوية والملابس الشعبية كما تنشط في السوق الشعبي محلات بيع المنحوتات التي تستخدم في الأواني المنزلية، وينحت البعض الأواني المنزلية من صخور الجرانيت المنتشرة في نجران، حيث تنتشر "البرمة" وهي آنية منحوتة من الصخر ويتم الطهي فيها، إضافة إلى بعض الأواني التي تستخدم في تقديم الضيافة. ويشير صالح آل مريح مدير فرع السياحة في نجران، إلى أن الجنبية موروث شعبي، مضيفا أن "السياحة" هيأت سوقا خاصا للجنابي بالتعاون مع الشركاء، إضافة إلى جهات أخرى تتعاون في سبيل إبراز الموروث الشعبي، كما تمت اقامة دورات تدريبية لبعض الشباب لتدريبهم على كيفية صقل الجنابي أي تلميعها وتنظيفها لاعطائها بياضا ناصعا. ويقول آل مريح، إن نجران تعيش تنوعا كبيرا في السياحة؛ حيث توجد النقوش والمواقع الأثرية، إضافة إلى وجود الأخدود المعروف الذي ورد ذكره في القرآن الكريم. ويضيف: تمسك المجتمع النجراني بهذه الصناعات الجذابة يتوازى مع تمسكه بموروث شعبي متنوع بالغ الرقي والجمال. يذكر أن منطقة نجران من المناطق التي تضم آثارا ومعالم سياحية مهمة كانت نتاج حقب زمنية متفاوتة، ولذلك أولت الهيئة العامة للسياحة والآثار أهمية كبيرة للمنطقة، وذلك بتشجيع السياحة من خلال إحياء المهرجانات السياحية، وترتيب رحلات دورية لمجموعات سياحية من داخل المملكة وخارجها لتعريفهم بالمنطقة وآثارها، وتشتهر المنطقة بالزراعة، وفيها سد وادي نجران، الذي يعد من أكبر السدود المقامة في السعودية ويكثر فيها النخيل، كما أن جبال نجران وكثيرا من مواقعها التاريخية لا تزال بكرا تزخر بالكثير من المواقع الأثرية والنقوش المتنوعة المليئة بالرسوم.