في إحدى الطرقات التي أسلكها بشكل شبه يومي، يوجد على جنبات الطريق قبل الإشارة الضوئية للمرور لوحات تشير إلى إن الوقوف يجب أن يكون وقوفا طوليا. طبعا هذه اللوحات الإرشادية أشاهدها من سنوات، لكن العجيب أن السيارات طوال تلك السنوات لا تقف إلا بشكل عرضي، بحيث تأخذ مساحة من الطريق العام مما يسبب الكثير من الزحام للسالكين في هذا الطريق وخاصة عند الإشارة مما يصاحبه تعطيل وتأخير للكثير بسبب عدم التزام أصحاب تلك السيارات بالوقوف الطولي، وهم أنفسهم أصحاب تلك السيارات من سنوات حيث يسكنون في المباني المجاورة للإشارة أو يقفون عند المحلات. هذه المشهد من المستحيل أن تشاهده في دول متقدمة في الثقافة المرورية أو تُطبّق القوانين المرورية بصرامة، بحيث لا يمكن أن يحدث عندهم هذا المشهد الذي يتكرر من سنوات دون مبالاة من أصحاب تلك السيارات أو اهتمام وتطبيق النظام من قبل رجال المرور. المفارقة المضحكة أن رجل المرور لا يبعد عن المكان إلا عدة أمتار، حيث يقف في الإشارة، والأعجب من ذلك إن هذا الموقع قريب أيضا من إدارة المرور نفسها. اعتقد ان المشكلة في عدم تطبيق القانون فالمخالف قد يكون التزم أول مرة ثاني مرة وخالف عدة مرات ولم يجد أي عقوبة أو ردع واستمرأ الأمر وأصبح شيئا عاديا والمتضرر هم السالكون لهذه الطرق بشكل يومي. وهذا المشهد هو مشهد مصغّر لكثير من المواقف التي تمر علينا بشكل يومي، فنجد الكثير من التجاوزات في كثير من القطاعات والمجالات، وهي ليست نابعة بعدم حب الناس بالنظام أو القانون أو صعوبته أو تعقيده أو رغبة في كسر القوانين فهذا أمر آخر يمكن مناقشته في مقال آخر فهذا تصرف شخصي أو ثقافة لدى البعض بقدر ما هي نابعة من ضعف وإهمال في تطبيق القانون، وعدم مبالاة من المسؤول الأكبر في متابعة تطبيق هذه القوانين من قبل موظفيه. الوعي بأهمية القانون والأنظمة أمر هام لكن هل من المنطق والعقل أن ننتظر الناس حتى يصبح لديها وعي وإدراك، فالوعي قضية تحتاج لوقت طويل تتعلق بمعطيات كثيرة، لكن تطبيق العقوبات يحتاج لوقت قصير لا يتجاوز أحيانا ثواني سوف يجبر الجميع على التقيّد بالأنظمة سواء كان يملك وعيا أو لا يملكه. الكثير من المجتمعات تقدمت وتطورت عندما أصبحت صارمة وحازمة في تطبيق الأنظمة، وفي نفس الوقت غُرست مفاهيم وقيم ومبادئ بطرق مختلفة لعل أهمها في نظري القدوة ساهمت في رفع مستوى الوعي تجاه الكثير من القوانين والمنجزات والواجبات والحقوق. بكل بساطة نحن نملك الكثير من القوانين والأنظمة لكن نحتاج فقط للتطبيق وأناس تدرك بتجرّد أهمية وأثر تطبيق القوانين والأنظمة على تقدم وتطور هذا البلد ومستقبل الأجيال دون التوقف أو النظر في أي اعتبارات أخرى.