النداء كثير في شعر المودة والحب.. وهو دليل على التلهف والوجد والشوق إلى القرب.. النداء فيه (حميمية) تجمع بين اثنين.. وتربط بين قلبين.. النداء لفظ شاعري يضفي على القصيدة روعة، ويضيف لها عاطفة.. والنداء كثير في شعرنا القديم والحديث.. الشعبي والفصيح.. ومنذ العصر الجاهلي و(النداء) يحبه الشعراء ويوظفونه للتنفيس عن مشاعرهم أو لفت انتباه مسامعهم أو للقرب من مقصودهم وكذلك للاحساس بالناس ودمج الوجدان الفردي بالجماعي، فكلمة (يا صاحبي..) ترد كثيراً في الشعر الجاهلي مرخمة (يا صاح..) أو مثنى (يا صاحبيّ..) كما يرد النداء في الشعر الجاهلي للتعبير عن الحب وتقريب المسافة بين الشاعر ومحبوبته ولفت انتباهها لمشاعره.. يقول عنترة: هلاّ سألت الخيل يا ابنة مالك - إن كنت جاهلة - بما لم تعلم يخبرك من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعف عند المغنم وفي الشعر المغنى يكون للنداء طعم الشهد ووقع الحلا.. يقول إبراهيم ناجي في رائعته (الأطلال) التي شدت بها أم كلثوم، وكانت هي الأغنية العربية الوحيدة التي فازت بالمركز العاشر بين أفضل مئة أغنية في القرن العشرين، حسب استفتاء منظمة اليونسكو للثقافة والفنون، والتابعة للأمم المتحدة.. يا خوي يا صاحبي يا من تمنّيته دايم بقربي وحال البعد من دونه يقول ناجي: يا حبيباً زرتُ يوماً أيكه طائر الشوق أغني ألمي لك إبطاء المُدل المنعمِ وتجني القادر المحتكم وحنيني لك يكوي أضلعي والثواني جمرات في دمي أيها الساهر تغفو تذكر العهد وتصحو وإذا ما التام جرح جد بالتذكار جرحُ فتعلّم كيف تنسى وتعلم كيف تمحو.. يا حبيبي.. كل شيء بقضاء ما بأيدينا خلقنا تعساء حتى في الشعر الشعبي المغنى يحلو النداء.. وفي المواويل لابد من نداء الليل.. يامانعي طيب المنام ومانحي ثوب السقام به ووجدي المتلفِ من أغنية (أنت عمري) كلمات أحمد شفيق كامل: يا أغلى من أيامي يا أحلى من أحلامي خدني لحنانك خدني عن الوجود وابعدني بعيد بعيد أنا وأنت بعيد بعيد وحدينا ع الحب تصحى أيامنا ع الشوق تنام ليالينا فللنداء حلاوة في الشعر والغناء! ويكثر شاعرنا الكبير محمد بن لعبون من النداء في غزلياته ووقوفه على الأطلال ينادي صاحبه أو القميري والحمام: نح يا القميري عليك الطوق من فوق ملتج بانات عصر قضيته بطيب وفوق واظن ما فات ما ياتي قضيت بين النقا والبوق شهري ودهري وساعاتي مع جادلٍ لامها معشوق ما طعت فيها ملاماتي نح يا حمام الهوى بسجوع يا من يسومه وانا ابيعه ما فيك كود العنا وفجوع وقرور قلبي وتفجيعه وجدي على الجادل المربوع اللي خذ القلب تفجيعه هل الدار يا عوَّاد إلا منازل سباريت يا عوَّاد خفيت رسومها تقول يا عوَّاد عنها تقللوا وخلوا رزايا الدار للي يسومها يا علي صيح بالصوت الرفيع لعمره قل تبيعين القناع تشتري منك كان انك تبيع بالعمر، مير ما ظني تباع شاقني يا علي قمرا وربيع يوم انا آمر وكل امري مطاع يوم اهلنا وأهل (مي) جميع نازلين على جال الرفاع ضحكتي بينهم وانا رضيع ما سوت بكيتي يوم الوداع هم بروني وانا عودي رفيع يا علي مثلما تبري اليراع ويستخدم النداء للكناية عن الحبيب: ألا يا نخلة من ذات عرق عليك ورحمة الله السلام فالنداء هنا يعينها في وجدان الشاعر وإن لم تتعين عند السامعين، وإذا سبق حرف النداء بلفظ (ألا..) كان أقوى كالبيت السابق، وكقول حميدان الشويعر: الا يا نخلات لي على جال عيلم حدايق غلب شوفهن يروع اخذت بهن عامين حيال زوافر من القيظ ما خلن في ضلوع فلا يا نخلات الصدر جضن بالبكا وهلن يا حدب الجريد دموع حلفت صافي الما فلا يشربنه مني ولا يسقى لهن جذوع فيا مانع اشرف لي على راس مرقب من قبل شمس بالنهار طلوع ولا يا عاير القصب يا لجنوبي ليتني اشوفك من حدر السراب لموع إبراهيم ناجي أحمد شفيق