دفع تدني الدخل شباباً سعوديين لأن يشتغلوا في عملين مختلفين يلتهمان ساعات نهارهم في صورة توحي بمدى الجدية والحاجة معاً. قد يكون أحدهم موظفا حكوميا في وظيفة راتبها قليل، فيلتحق بعمل مسائي في القطاع الخاص، لتمضي ساعات نهاره غائباً عن أسرته يلاحق الساعات المتواترة بغية الظفر بدخل يجنبه ضيق ذات اليد كل هلال شهر. ولطالما شكك رجال أعمال ومتشائمون في جدية الشباب السعودي في مجال الأعمال، وأنهم اتكاليون، ومترفون، ولا يحبون العمل لساعات طويلة، لكن ما يسجله السعوديون اليوم من حضور لافت في سبيل تحسين مداخيلهم، والاستماتة في سبيل ذلك من خلال الالتحاق بعملين مختلفين يعده مراقبون دليلا ملموسا على مدى استعداد الجيل الجديد من السعوديين على تحمل المسؤوليات والتفاني في سبيل العيش الكريم. ويبدو أن الركض في اتجاه تحسين الأحوال المادية في سبيل تلك الحياة الكريمة المنشودة ليس حكراً على الشباب العاملين في الوظائف الحكومية، فقد عرف عن الأطباء السعوديين العاملين في المستشفيات الحكومية الكبرى نضالهم هم الآخرين لتحسين أوضاعهم المعيشية من خلال العمل مساء في المستشفيات الأهلية الكبرى، لكن المفارقة أن الشباب الملتحقين بعملين بالكاد تكفي مداخيلهم من الوظيفتين أساسيات تكاليف الحياة المعيشية. وفيما يرى شبان ممن يعملون في الفترة المسائية في القطاع الخاص بمكافأة مقطوعة أن ما يحصلون عليه من تلك المكافآت يشكل نوعاً من استغلال حاجتهم للعمل الإضافي، وأن تلك المكافآت التي تتراوح ما بين 2000 و3000ريال هي قليلة، إلا أنهم مؤمنون أنها تحسن دخلهم الأساسي، وتحمل عنهم تبعات بعض الالتزامات المادية الخانقة. ويرى خبير الموارد البشرية عدنان المزروع أن التحاق السعوديين بعملين هو دليل ملموس على أن لدينا جيلاً من السعوديين مؤمن بالعمل، ويتمتع برغبة كبيرة في تحسين أحواله المعيشية في ظل تردي المداخيل الحالية لأغلب الوظائف في البلاد. وبين أن ارتباط الشباب بعملين هو أمر مرهق لهم، ويفقدهم الكثير من الوقت، وأن ذلك يعد دليلاً على جديتهم، وقدرتهم على تحمل الضغوط. وأكد المزروع إن الالتحاق بعملين من أجل تحسين الدخل معمول به في كثير من دول العالم، خاصة تلك الدول التي يتمتع مواطنيها بالجدية في العمل والإنتاجية العالية. وأشار المزروع أن مرحلة التشكيك في جدية السعوديين في العمل قد انتهت، وأن السعوديين قد اثبتوا على أرض الواقع أنه متى ما توفرت لهم وظائف ذات رواتب جيدة، وفي شركات تشعرهم بالأمان الوظيفي، فإنهم يحققون نجاحات كبيرة، ويعتبرون من أفضل شرائح الموظفين إنتاجية. واستشهد المزروع بنجاح الشباب في المصارف والشركات الكبرى، مبيناً أن الكرة الآن في مرمى رجال الأعمال والجهات المسؤول عن إتاحة فرص العمل للمواطنين. وحذر المزروع من ضياع جهد وطاقة الشاب المتشتت بين عملين، داعياً إلى زيادة رواتب المواطنين في القطاعين العام والخاص كي يتمتع المواطنين بمداخيل تكفل لهم حياة كريمة دون أن يضطروا إلى البحث عن عمل إضافي مما يشتت كثيراً من جهوده، ووقته، ويشغله عن أسرته ومسؤولياته الاجتماعية.