بناء الدولة وحماية استقرارها يختلف تماما عن تشكيل حزب أو جماعة، فالدول تقوم على اعتبار تاريخي ينتمي له كل فرد في مجتمع الدولة حتى لو لم يشارك في ذاك الاعتبار يكفي فقط انتماؤه للدولة لكي يملك هوية وجوده الشرعي للانتساب للدولة، فإن عارض الفرد بعض سياسات الدولة لا تستطيع الدولة معارضة انتسابه لها، فقط تستطيع معاقبة من خرج عن إجماعها العام او تسبب في اضعاف ارادة سلطتها الشرعية كعمل بعض مواطنيها عملاء لصالح دول معادية، أما الاحزاب فالانتساب لها لم يكن الاعتبار التاريخي مبررا لوجودها، بل يكون لها تاريخ أنشئت فيه بدون أن يكون لها شرعية تاريخ مثل الدول، فالدول التي خضعت للاستعمار لها تاريخ نضالي وتحرري كتب وثيقة استقلالها، واتحاد مجموعة من الاقاليم او المناطق في كيان واحد له سيادة وشرعية مثل حال المملكة يكون لها تاريخ توحيد يتشرف كل مواطن للانتساب له، هذا هو الفرق بين الاعتبار التاريخي للدولة وعدم امتلاك الاحزاب لشرعية التاريخ. نقرأ شرعية تاريخ الدولة في الحكم القضائي المصري الذي حظر أي نشاط سياسي لجماعة الإخوان المسلمين ووجه بإغلاق جميع مكاتبها في مصر، فبهذا الحكم مثال واضح على شرعية تاريخ الدولة، صحيح ان الحكم القضائي النافذ بحق الاخوان يقوم على مسوغات عدلية لا تقبل تفسير التاريخ لها، ولكن روح الحكم كل أنفاسه تعبر عن حماية تاريخ الدولة، فالجماعة اثناء فترة حكمها الغت تاريخ الدولة أو استبدلته بتاريخ جديد لا شرف به لمواطن إلا إن كان ينتمي لجماعة الاخوان، فتاريخ مصر الديني والانساني والتراثي والفني الممتد لأكثر من 7000 عام لا اعتبار له عند جماعة الاخوان التي تريد تاريخا يعبر عن وجود امة تكون مصر جزءا منها، ومن هذا المنطق جاء تعبير دولة الاخوان التي عارضها أغلب الشعب المصري حيث كان يرى أن دولة الاخوان قامت باحتلال بلده وعليه مقاومتها مثل مقاومة أي شعب محتل لقوى الاحتلال، فالشعب لا يريد إلا تاريخ بلده، الذي يستمد منه انتماءه وكرامته وفخره، فمحاولة إلغاء تاريخ مصر هو الخطأ المصيري الذي وقعت جماعة الإخوان فيه، وهذا النوع من الأخطاء لا تصحيح له إلا بإزالته من الوجود تماما. هناك أفعال مشاغبة للمنتسبين لجماعة الاخوان في بعض الدول العربية، أفعال تريد أن تؤسس للجماعة تاريخاً يناقض تاريخ بلدانهم، بل في بعض الاحيان ينحو للخصومة مع هوية الوطن، ومازالت تلك الدول ترى في تلك الافعال صرخات غضب مؤقتة جاءت بسبب خسارتهم المؤلمة في حكم مصر، وهذا حساب خاطئ لا يحمي شرعية ولا يصون تاريخا، فالحكم العادل الذي خرج من القضاء المصري بحق الجماعة، مطلوب حكم مماثل له في بعض الدولة العربية التي مازالت مشاغبات الاخوان بها تتنفس النار التي ربما تحرق تاريخ تلك الدول، فجماعة لا يعترف أفرادها بتاريخ بلدانهم لا شرعية لأفعالهم بعدما أسقطوا شرعية دولهم من قناعاتهم، فهل نسمع من محاكم تلك الدول حكما قضائيا مثل الذي سمعناه من القضاء المصري؟