انفردت المملكة بين الدول العربية بل ودول العالم الثالث بأنها لم تمر بمناسبة احتفال سنوية بشعار «عيد الاستقلال» وذلك أنها أساساً لم تكن في أي عام تحت وضع مضاد للاستقلال.. قبل أن تتصاعد كدولة مهمة عبر تاريخ ما يتم الاحتفال به اليوم في ذكرى اليوم الوطني التاريخي الذي يعني بداية الحضور عربياً ودولياً لوجود عربي خاص داخل شبه الجزيرة العربية.. أي أن الجزيرة العربية لم تمر طوال تاريخها لأكثر من ألف وأربعمائة سنة بتوحد استعماري مكث فيها أو أن تكون قبائلها قد تقاربت وتنافست فروسية الخصومات وما كانت تفتعله من حروب حيث لم تكن كلمة «حرب» في الواقع تعني منطلق وجود تعدد النزاعات بقدر ما كانت تفعل ذلك مع بعضها بحثاً عن وسائل غذاء.. نعرف تاريخياً أنه قبل الإسلام أقامت الدولة الفارسية.. «العظمى» آنذاك وجوداً عربياً محدوداً لاستقرار ما بينها وبين العراق كي يحمي حدودها من هجمات القبائل الآتية من الجزيرة العربية، نفس الشيء فعله الروم في الجانب الشمالي الغربي من الجزيرة العربية كسعي أمن متماثل.. نعرف أيضاً أنه تم داخل الجزيرة العربية عبر مناسبات متباعدة وظروف مختلفة.. ثم وجود نماذج استقلالية.. لكن محلية.. وبزمن محدود لا يتواصل.. ونعرف أيضاً تواجدت الدولة السعودية الأولى بكفاءة قدرة محلية إلا أنها لم تضم كامل التواجد الصحراوي وكانت مؤهلة لدور متواصل ورائد لولا أنها استهدفت بقوة غزو من قبل محمد علي وبدعم تركي أيضاً وهؤلاء.. الغزاة.. هم الذين روجوا تعريف "الوهابية" كخصوصية دينية داخل الجزيرة العربية التي لم يكن يعرف سكانها هذا التعريف.. بعد ذلك أتت الدولة السعودية الثانية التي لم تتوفر لها قدرة تواصل كافية.. ثم أتى الرجل الرائد.. أتى الرجل التاريخي الهائل القدرات والطموحات.. الذي لم يكتف بحكم محدود ولا بوجود سيادة شخصية بقدر ما تطلع إلى وجود سيادة وطنية أخذ بها من موقع.. الصفر.. من أقسى حالات الفقر.. من سوء توفر وجود تعدد الخصومات.. عبدالعزيز بن عبدالرحمن رجل التاريخ المتميز الذي لم يتكرر في بلد عربي حيث لا فقر ولا مخاطر كما في الجزيرة العربية التي تفوقت على كل ذلك وأوجدها الملك عبدالعزيز كحاضر وطني وسياسي لولا قدراته الذهنية وجزالة صبره وكفاءة طموحاته لما أمكنه أن يصل بنا إلى بعض ما نحن فيه.. بل وقبل ذلك بما لا يقل عن ثمانين عاماً روت ذكريات من تواجدت حياتهم آنذاك.. تفاصيل قسوة ما كانوا عليه في ذلك الوقت.. وبخصوصية مذهلة صعوبة ما كان عليه الملك عبدالعزيز سواء عبر حياة أسرته أو عبر حياة متعددات فئات مجتمعه الشامل من قرى غير متقاربة العلاقات وقبائل لها رصيد خصومات وحروب ليست بالسهلة ومع ذلك فقد استطاع الملك عبدالعزيز من واقع ضآلة قدرات معيشته وكذا أسرته في الوصول إلى واقع حياة مجتمعه.. استطاع باعجاز ليس بالسهل وليس بالمتكرر عند غيره أن ينقل تلك البداوة شبه الشاملة بما هو عليه من مرونة تعامل ورحابة عقل موضوعي أن يقارب بين أنواع القبائل، وفي ذات الوقت أن يفعل ذلك مقرباً لشتات تعدد القرى وما بداخلها من جزالة خطر وقلق.. عد إلى عدد يوم السبت الماضي ص14 و15 لترى نماذج من أنواع قسوة حياة ذلك العصر وقارن ذلك ليس مع هذا العصر لكن مع ما كانت عليه بعض الشعوب العربية من حالات تطور آنذاك ثم قارن هذا العصر في تطوره الذي نعيشه من ارتفاع تجاوز فيه قدرات كل مجتمع آخر.. وأهم من كل ذلك.. جزالة الاستقرار عند انتماء اجتماعي متمكن نفخر به..