يشعر الكثيرون من المتابعين بالتناقض السياسي تجاه الأزمة في سوريا فالحل السياسي يدفع ليكون في المقدمة وهذا مطلب دولي قديم قبل أن تنتهك حرمات الشعب السوري بقتله بالكيماوي ونقض المواثيق الدولية من جانب حكومة الأسد في استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، كما يشعر الكثيرون بأن هناك دوراناً سياسياً في القضية السورية لا يخدم سوى إنفاق مزيد من الوقت على قضية لن تكون نهايتها سلمية فمن المؤكد أن الضربة العسكرية ستكون المرحلة التالية لجزرة السلام التي تمدها أمريكا اليوم بكل سخاء بالاتفاق مع روسيا. لعل السؤال المطروح اليوم حول طرفي النزاع النظام السوري والعالم الراغب في إيقاف نزف الدم السوري يقول السؤال: هل يفكر الطرفان في القضية في ذات الاتجاه..؟ من هذا السؤال يمكن أن نبني فرضية محتملة للكيفية التي سوف تنتهي إليها فترة إنفاق الوقت التي تمر بها الأزمة السورية. إن الصورة التي يجب أن نفهمها جميعاً أن إنفاق الوقت بهذا السخاء من أجل تأجيل الحسم في القضية السورية سوف ينتج الكثير من التكهنات حيث تلّمح شعوب الشرق الأوسط إلى مؤامرات غربية تقف وراء تأخر الولاياتالمتحدة في حسم القضية السورية وهذا ما سوف ينعكس على صورة أمريكا النظام السوري ممثلاً في الرئيس الأسد وزمرته هدفهم الوحيد من كل هذه المحاولات أن يبقى الرئيس الأسد في سدة الحكم وأن يبقى حزب البعث في ذات الموقع السياسي، على الجانب الآخر حذرت وزارة الخارجية الأمريكية من أن يكون الانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي قدمتها سورية إلى الأممالمتحدة "وسيلة للمماطلة"، كما شددت وزارة الخارجية على أن الرئيس السوري بشار الأسد "لا يمكن أبداً أن يكون جزءاً من مستقبل سورية". وأشارت نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماري هارف إن "خيار الولاياتالمتحدة استخدام القوة العسكرية ما زال مطروحاً على الطاولة". الرئيس الأسد وزمرته يرغبون وبكل قوة ويدفعون بأنفسهم من خلال تقديم تنازلات متواترة وهدفهم الأخير أن يكون بقاؤهم في السلطة هو المطلب الوحيد الذي سوف تنكشف عنه السماء السياسية مع آخر تنازل يمكن أن يتم تقديمه للغرب ولحلفاء أمريكا من الغرب والشرق ولا نستبعد أن يكون توقيع صلح بين سورية وإسرائيل ضمن سلسلة إنفاق الوقت السياسي قبل التضحية النهائية ببشار. الروس وهم الأكثر شراسة في الدفاع عن النظام يريدون ضماناً لبقائهم الاستراتيجي في سورية بغض النظر عن نوعية النظام ولو ظهر في الأفق ما يغير من الموازين ويمنحهم هذه الفرصة لتغير موقفهم فلن يترددوا ونلحظ ذلك مع اشتداد الأزمة قبل أيام عندما أظهر الروس تراجعاً عن نظام الأسد حتى بدا وكأنه سيواجه الضربة الأمريكية منفرداً. لم يعد هناك شك بأن إيران وسورية هما من يفكر بتلك المسارات وتلك التفاصيل السياسية التي قال عنها وزير خارجية سورية المعلم "سنغرقهم في التفاصيل" التي يعتقدون انها قادرة على إنقاذ النظام من انتقام الشعب السوري قبل تدخل العالم وقد تكون فرصة تسليم الأسلحة الكيمائية إلى رقابة دولية فرصة سانحة للجيش الحر لكي يصل وبدعم دولي مباشر إلى إسقاط الأسد بسرعة دون الحاجة إلى تدخل دولي وهذا احتمال مطروح يفكر فيه الرئيس أوباما معتمداً على الإضعاف السياسي للنظام وقد يكون ما يتعرض له النظام من تفكيك أشد تأثيراً من الهجوم العسكري. فكرة الإضعاف السياسي للنظام قد تنتج مطالبات أكثر عمقاً فبعد تسليم الأسلحة الكيمائية لابد وأن يكون هناك خطوة أخرى فباب الترشيحات مفتوح فقضية جرائم الحرب الفظيعة التي ارتكبها النظام ستكون بالانتظار وقضية اغتيال الحريري ستكون بالانتظار وسلسلة طويلة من المطالبات الدولية ستفتح، لذلك أيمكن القول إن ما يعتقد به النظام السوري انه القشة التي سوف تنقذ النظام قد تكون بالتأكيد قشة الهلاك. من يعتقد ان نظام بشار الأسد سوف يبقى ويعود إلى حكم سورية التي يفقد السيطرة على أكثر من نصفها اليوم فهو يحلم لأنه من المستحيل وبعد هذه التطورات على الميدان أن يحدث ذلك وإذا لم يسقط النظام بالطرق المعهودة فعليه مواجهة ثوار قد تتحول سورية على اثره إلى مسرح طويل المدى من الحروب والتقسيم وسوف يشعر المناصرون مثل إيران وحزب الله وروسيا بالإنهاك عندها سيتوقف الجميع عن الدعم. الطرف الغربي وخصوصاً أمريكا يمارس تفكيراً من نوع مختلف تماماً تجاه ما يجري في سورية فأمريكا التي ساهمت في قيادة العالم منذ الحرب العالمية الثانية تعلن اليوم عبر رئيسها وبضغط من الرأي العالم الأمريكي بأنها سوف تتخلى عن كونها الدولة الأقوى في العالم وهذا سيولد فراغاً دولياً لفترة من الزمن حيث ستكون الصراعات الإقليمية والحروب الأهلية بلا مرجعية وقد تعم الفوضى الدول إلى أن تأتي قوة عظمى تمارس دورها ككبير للعالم. إذن النظام السوري يفكر كيف يبقي على نفسه بينما تفكر أمريكا كيف تتجنب دورها التاريخي مستندة على تجربة فاشلة في أفغانستان والعراق وعلى الطرف الثالث تحاول روسيا اللعب بما تبقى لديها من أدوات الحرب الباردة مستثمرة تردد الرئيس أوباما وارتباك سياسته الخارجية. إن الصورة التي يجب أن نفهمها جميعاً أن إنفاق الوقت بهذا السخاء من أجل تأجيل الحسم في القضية السورية سوف ينتج الكثير من التكهنات حيث تلّمح شعوب الشرق الأوسط إلى مؤامرات غربية تقف وراء تأخر الولاياتالمتحدة في حسم القضية السورية وهذا ما سوف ينعكس على صورة أمريكا وخاصة بعد أخطائها الاستراتيجية في دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط عندما اعتقدت أن جماعة الإخوان يمكن أن تكون حزباً ديمقراطياً. كل ما يمكن الحديث عنه اليوم في ظل هذه التطورات السريعة وإنفاق الكثير من الوقت هو ان باب الاحتمالات أصبح مفتوحاً سواء على مستوى الحلول السياسية أو على الأرض واحتمال التزام النظام السوري بتعهداته ضعيف جداً واحتمالات الانجراف نحو التطرف من قبل المحاربين مفتوح وخاصة ان الحزم المنتظر في التعامل مع نظام قتل شعبه بأسلحة محرمة دولياً أصبح يبحث عن المخارج. أمريكا اليوم أمام اختبار حقيقي لموقعها الدولي واختبار لمثلها وقيمها التي ظلت تدافع عنها فإما أن تكون في هذه الأزمة اللاعب الحقيقي لإنقاذ الشعب السوري أو ستنتهي اعتباراتها الدولية مهما احتفظت بأعظم الأسلحة وأفتكها وسيصبح الحلم الأمريكي جباناً عن تحقيق أحلامه ما دام غير قادر على ردع نظام يتحدى العالم.