استخدم باراك أوباما مع الأسد سياسة تعرف بسياسة (حافة الهاوية). يا أنا يا أنت. زمجر وازبد وذرف كمية لا بأس بها من الدموع على أطفال سورية وأبرياء سورية بل وذهب إلى أبعد بأن دفع وزير خارجيته أن يعلن أن إنسانية الولاياتالمتحدة أصبحت على المحك، بيد أنه وضع تهديداته وزمجراته في إطار يفهمه من يريد أن يفهم وعلى رأسهم الأسد. المعروف أن سورية لا تملك السلاح النووي. تحقيق التوازن مع إسرائيل في هذا الأمر الحيوي مستحيل. لجأت كما تلجأ الدول الفقيرة إلى سلاح الفقراء الاستراتيجي فصارت تملك ما يمكنها من تهديد إسرائيل بضربة مدمرة في حال استخدمت إسرائيل سلاحها النووي ضدها. القاعدة التي يقوم عليها هذا التوازن أقرب إلى النظرية العبثية. مستحيل أن تضرب سورية إسرائيل ومستحيل أن تؤمن إسرائيل بذلك. هذه النظرية تقوم على مفهومين متناقضين ومنسجمين في الوقت نفسه. من المعروف أن الحكومة السورية الحالية لا يمكن أن تجازف بالحرب مع إسرائيل بل إن قوتها وبقاءها في السلطة يعتمد على استمرار الصراع مع إسرائيل بشقية العسكري والايدلوجي وفي المقابل من أساسيات العقيدة الإسرائيلية عدم الثقة في العرب مهما أبدوا من حسن نية أو حتى تآمروا معها في السر. وهي عقيدة سليمة تماما إذا نظرنا للصراع من وجهة النظر الإسرائيلية. العرب غير الهنود الحمر في أمريكا وأرض فلسطين غير الأندلس ولا يتوفر في الضمير الإنساني أي مبرر أخلاقي يمكن ان يثني العرب عن القضاء على إسرائيل إذا تمكنوا من ذلك. احتلال العراق وسلام كامب ديفيد ووادي عربة( السلام والحرب) وتجارب أخرى فشلت ونجحت في الوقت نفسه. فشلت في تحقيق المستحيل الهادف إلى إقامة علاقة طبيعية بين العرب وإسرائيل ولكنها نجحت بأن أزالت من الذهن الأمريكي وهم إمكانية خلق حكومة عربية حليفة لإسرائيل وأكدت أن الصراع على المستويات كافة هو العلاقة الوحيدة الممكنة بين العرب وإسرائيل. اهتبل الامريكان فرصة استخدام السلاح الكيماوي في سوريا وقرروا التخلص من هذا السلاح حتى بالحرب مهما كانت نتائجها ولكنهم وضعوا امام الأسد كامل الصورة والطريقة المثلى التي تحقق للطرفين أهدافهما دون انتحار. الأسد كسياسي ميكافيلي لا تفوته الفرص ولم يكن في يوم الأيام حالما أو مؤدلجا ولا تغرية سرابات المجد التي تلوح في الأفق، فهم التهديدات الامريكية وتأكد أن الغرب سوف يضربه من اجل إسرائيل فقط. أمريكا غير راغبة في التورط في سورية ولكنها لا يمكن أن تتجاهل أي تهديد يقترب من أمن إسرائيل، فكانت سياسية حافة الهاوية هي افضل سياسية يمكن التعامل بها مع الأسد. الامريكان كانوا يعرفون خصمهم. من اول تصريح عرف الأسد ان دموع اوباما لا علاقة لها بأطفال سورية ولا اللاجئين ولا غيرها من الهموم الإنسانية التي تقلق البشر. من المحتمل أيضا أنه كان ينتظر العرض الأمريكي للتفاهم حول أمن إسرائيل ثم تركه وشأنه. لو راجعنا شريط التصريحات الامريكية منذ ان اندلعت شرارة الثورة في سورية والقلق الغربي ينحصر في السلاح الكيماوي السوري. في أي من الأيادي المتصارعة سيستقر. تدفق الافاقين والإرهابيين المعتوهين كجيش النصرة وغيرها على سورية وتفكك بنية الدولة المتواصل قرع أخيراً أجراس الخطر على إسرائيل. أنا وأنت وأمريكا قرأنا التاريخ فعلمنا أن دول الجوار لا يمكن أن تكون في مأمن من أي اضطراب يدور حولها فما بالك إذا كانت دولة الجوار هذه هي إسرائيل العدو الطبيعي لكل المتحاربين. أصبح من المحتمل أن تدخل الأطراف المتصارعة في سورية مرحلة اليأس من النصر الكامل فيصبح كل طرف في حاجة إلى مجد عربي أو إسلامي يموت به، ولن يجد أي منهم أفضل من ضرب إسرائيل كما فعل صدام حسين في حرب تحرير الكويت ولكن الضرب شيء والضرب بالسلاح الكيماوي شيء آخر. بقدر ما كانت التهديدات الامريكية لسورية مخيفة كانت أيضا اسوأ الخيارات التي يمكن ان ينتهجها الرئيس الأمريكي. أي خطأ في حسابات الأسد قد يقود إلى حرب لا نتائج مضمونة لها. قد تخلط الأوراق ولكنها لن تقدم حلولا إذا لم يصاحبها تدخل كامل من الجيش الأمريكي. ولكن لن يخرج أوباما الجيش الأمريكي من ضيافة طالبان الكريمة ليوقعه في ارض الرباط الابدي، فكانت سياسة حافة الهاوية هي الحل الأمثل مع الأسد وهي نفس السياسة التي انتهجتها تركيا مع والده في قضية الزعيم الكردي عبدالله اوجلان.