المبدع الحقيقي لا يتعالى على النقد ولا يكابر ولا يتوهّم عبقريّة أعماله وارتفاع مستواها الفنّي ومن ثم لا يتجاهل النداءات المُحبّة لمراجعة أعماله وتقويمها ومحاولة تقديم الأجود. لذلك لا نستغرب أن يأتي روائي وأديب فذ مثل تولستوي ويعلن ذات مكاشفة صادقة أنّه لا يصلح ككاتب لأي شيء ويقول بكل صدق: "إنّ الحياة قصيرة ولن أضيّعها في سنوات الكبر في كتابة مثل هذه القصص، مثل تلك التي كتبتها.. أشعر بالخجل". وليس تولتسوي وحده بل هناك الكثير ممن يملك حس النقد الذاتي فكل هؤلاء تجد ناقده الأول ذاته الناقدة والجاثمة فوق كتفيه تبصّره دوماً بمواطن النقص في عمله مثل الروائي الأميركي الشهير وليام فوكنر صاحب رواية "الصخب والعنف" وأشهر كتّاب الرواية الجديدة الذي قال ذات مراجعة لأعماله: "فشلنا جميعاً في مجاراة حلمنا في الكمال، لذلك فإنني أوبخ أنفسنا على أساس فشلنا العظيم أن نفعل المستحيل، وفي رأيي لو استطعت إعادة كتابة جميع مؤلفاتي ثانية، فإني مقتنع أني سأقوم بذلك بصورة أفضل". الروائي والصحفي عبده خال لا شك أنه يمثل تجربة يحسب لها مثابرتها ودأبها في تقديم أعمال جيدة عبر ما قد يزيد على العقدين بدءً من عمله. مشكلة عبده خال أنّ امتهن الصحافة وانغمر في أتونها منذ يفاعته ورغم دأبه على تطوير أدواته ومتابعة وقراءة ما يصدر من أعمال روائية عظيمة إلا أن ذلك لم يُنجِهِ من الأسلوب الصحفي البسيط الذي يصل للثرثرة واللغو الكتابي في أحايين كثيرة وبذلك سار عبده خال ضد كيمياء الرواية. ولعل جناية الصحافة انسحبت على أسماء كثيرة في مشهدنا المحلي الذي يعد خال أبرزهم بل وأقدمهم بل كان يفاخر بتلك الأقدمية في كل مكان لدرجة أنه في أحد حواراته نافح عن تلك الأسبقية حين أشارت الصحافة بريادة الروائي غازي القصيبي- رحمه الله. لم يأبه عبده خال بالنقد لذلك لم نر أثراً في تطور تجربته مع العلم أنه كان يمكن أن يستثمر هذا المراس الطويل لكن للأسف فهو وبحسب نقاد كثر من أبرزهم ليماء باعشن والدكتور عبدالله الغذامي أشاروا إلى أن روايات عبده خال تفتقد إلى الخط الدرامي المتصاعد والمتمحور حول شخصية رئيسية, فحين تقرأ له وتجهد في معرفة من هو مركز السرد داخل النص لا تجد في نفسك ذرة فضول تحفزك لمتابعة مجرى الأحداث فكلها مقطعية وقابلة للقطع دون تأثير على النص, أما الدكتور عبدالله الغذامي فيؤكد أن عبده خال لم يكتب روايته بعد. ونخلص من ذلك إلى أن الروائي على كثرته ما زال ضعيفاً وأبنيته السردية آيلة للسقوط وحبكاته كلها تسير في خط مستقيم ودائرة أحداثه لا تتشعب وشخوصه تميل إلى التسطيح. إذن عبده خال وبحكم انغماره اللصيق بمهنة الصحافة كان طبيعياً أن يتسم أسلوبه وأفكاره بطابعها التبسيطي الذي يفيض في الكلام لكن دون عمق فكان المحصلة أن أصبح عبده خال يتخم رواياته بحشو يصل لحد الإضجار في كثير مما يكتب.