ذلك الشاعر الذي شغله الهجاء والاستجداء، أبدع لنا أروع قصيدة عربية من الشعر القصصي، حتى إنها تصلح مسرحية، فيها كل عناصرها.. شعراء العرب اهتموا بالبيت لا القصيدة لانعدام المسرح وربما الكتابة والاعتماد على الرواية، لكن الحطيئة ارتاد هذا الفن وأبدع لنا قصيدته الشهيرة والتي تعتبر أول شعر عربي درامي متكامل الشروط.. وفيها يقول: (وطاوي ثلاث عاصب البطن مرملٍ ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما أخي جفوة فيه من الأنس وحشة يرى البؤس فيها من شراسته نُعما وأفرد في شعبٍ عجوزاً إزاءها ثلاثة أشباح تخالهم بهما حفاةً عراةً ما اغتذوا خبز ملّة ولا عرفوا للبر مذ خلقوا طعما رأى شبحاً وسط الظلام فراعه فلما بدا ضيفاً تشمر واهتما فقال: هيا رباه ضيفٌ ولا قِرى بحقك لا تحرمه تالليلة اللحما وقال ابنه لما رآه بحيرة أيا أبتي اذبحني ويسّر له طعما فروّى قليلاً ثم أحجم برهة وإن هو لم يذبح فتاه فقد همّا فبيناهما عنّت على البعد عانة قد انتظمت من خلف مسحلها نظما عطاشاً تريد الماء فانساب نحوها على أنه منها إلى دمها أظما فأمهلها حتى تروت عطاشها فأرسل فيها من كنانته سهما فخرت نحوص ذات جحش سمينة قد اكتنزت لحما وقد طبقت شحما فيا بشره إذ جرّها نحو قومه ويا بشرهم لما رأوا كلْمها يدمى فباتوا كراماً قد قضوا حق ضيفهم فلم يغرموا غرماً وقد غنموا غنما وبات أبوهم من بشاشته أباً لضيفهم والأم من بشرها أما) * يا له من خيّال خلاَّق! وكل هذا الكرم يصوره الحطيئة؟ سجان من يخرج الحي من الميت!