بطبيعة الحال تؤثر الجغرافيا ويؤثر المناخ على الخيارات المجتمعية. لدينا فصلان فقط الشتاء والصيف، والخريف لا نراه إلا في الخارج ونعرف صوره في كتاب العلوم، بين الصيف والشتاء مسافات قليلة، إما برد قارس أو حر شديد. هكذا مشت الأمور، بقينا بين الأهلي والاتحاد، بين الهلال والنصر قديماً، بين محمد عبده أو طلال مداح. هذان الفنانان العملاقان أسسا فعلاً للذوق الفني الخليجي والسعودي على حدٍ سواء. مئات الألحان والأغاني التي قاما بضخها في المجتمع عن الحب والرومانسية والوله. حتى أن محمد عبده بكلمةٍ يداعب بها المجتمع قال:"أغنياتي زوّجت نصف السعوديين" يعني أن هذا الحب الذي تنثره أغنياته تدفع بالإنسان إلى الهيام بمحبوبته والارتباط الأبدي بها. والعودة الكبيرة لمحمد عبده في الحفلات والمناسبات تجعلنا أمام مرحلة جديدة من التذوق الفني الجميل. في لقاءٍ سجّلته ل"إضاءات" مع الصحافي الفني ورئيس قسم الفن بجريدة عكاظ قال إن التنافس بين الرمزين محمد عبده وطلال مداح كان أخوياً. ولم يكن صراعاً بين رمزين، بل لم يكن حتى بالسوء الذي يروّج له بعض الصحافيين، بل كانا متحابّين وأخوين حميمين. لدرجة أن طلال مداح حين يمرض فإن محمد أول زواره والعكس. وفي الخطوبة والزواجات يكونان اثنين أو جسدين برأس. غير أن الغيرة الفنية المحمودة موجودة وهي غيرة تحدث حتى بين الأخوين، على النحو الذي شاهدناه في التنافس بين الرمزين بتلحين "أرفض المسافة" أو "جمرة غضا". ومن عشق الأمير بدر بن عبدالمحسن لهما فإنهما لا يحتاجان إلى تنازلٍ منه ولا إلى رخصةٍ منه بل كل نص له هو متاح لألحانهما ولأصواتهما. برغم كل شيء وبرغم الرحيل المر والمفاجئ لطلال مداح بقي محمد عبده وفياً للأستاذ، وهو الذي لا يمل من اعترافه بأستاذية طلال له في عالم الفن. المشكلة أو الصراع الذين بينهما مفتعل كما يقول فقندش بل هو مجال تندّر أحياناً، وهو يعود إلى البطانة التي تحيط بكلٍ منهما، بين "الطلاليين" و "العبداويين" الكثير من الهتاف والولاء المطلق أحياناً لحد إلغاء الفنان الآخر، ومنشأ الاحتكاك أحياناً حين تكون "عبداوياً أكثر من محمد عبده" أو "طلالياً أكثر من طلال". بآخر السطر، شكراً لهذين الرمزين اللذين دعما الذوق الفني السعودي والخليجي ورحم الله "طلال" وأسكنه فسيح جنانه.