هناك كثيرون يتحدثون عن الزمن القديم للأغنية بنوع من الإطراء والتمجيد، ويعتقدون أن الزمن الحاضر هو الزمن الوحيد الذي شهد هبوطا في مستوى الأغنية (كلمات وأداء وألحانا)، لكن في الحقيقة أن مسار الأغنية الهابطة بدأ منذ زمن الفن الجميل، ولم يكن مقترنا بظهور علي حميدة أو حسام حسني أو شعبان عبدالرحيم، بل كان الموضوع أكبر من هذا كله، وجاء عن طريق مطربين لهم وزنهم وثقلهم في الوسط الفني، وحفظ التاريخ أغنياتهم على أنها (طقاطيق)، وليست أغاني، ولأن التاريخ منحاز إلى القديم، فقد لعب لعبته معهم، وخلدها كأغانٍ جميلة كسرت الروتين في مسيرتهم، وهنا نستعرض مسيرة الأغنية التي كانت قد صُنفت على أنها (هابطة) في زمن الفن الجميل وخلدها التاريخ بعد ذلك.. حرب منيرة وكوكب الشرق تعتبر الفنانة الراحلة منيرة المهدية من الأسماء المهمة التي كان لها صولات وجولات في عالم الفن الجميل وفي ذلك الزمن الذي سطر اسمها بأحرف من نور. منيرة المهدية كانت تلقب ب(السلطانة)، وكانت في تنافس شرس مع سيدة الغناء العربي أم كلثوم وحاربتها كثيرا، وضيقت عليها الخناق، بل وصل الأمر إلى تحريض مجموعة من الصحافيين للإساءة ل(كوكب الشرق) دون وجه حق واعتدوا على أهم رموز الفن في العالم العربي في تلك الفترة، وضاقت منيرة ذرعا بأم كلثوم وبنجاحاتها المستمرة مع زكريا أحمد ورياض السنباطي والقصبجي، فقررت تغيير (ستايل) أغانيها، ودخلت إلى الأغنية (الرخيصة)، وثارت عليها مجاميع النقاد، وقالت الصحافة في ذلك الوقت كلمتها ووصفت المهدية بأنها بدأت في دق المسامير في نعشها، ومن الأغاني التي اشتهرت بها في تلك الفترة: بعد العشاء يحلى الهزار والفرفشة وكذلك: حوّد من هنا تعالى عندنا (ماما زمانها جايّه) تهوّر منيرة المهدية وطرقها لهذا الباب أغرى الكثيرين إلى السير في نفسك الطريق، وكانت هذه الأغاني كالشرارة التي أطلقت بعض الأغاني في سماء الفن الجميل، فظهر في ذلك الوقت مجموعة من المطربين منهم نجاة الصغيرة وشادية ومحمد فوزي الذي قدم أغنية (ماما زمانها جايه) التي أثار ظهورها ضجة كبيرة في الوسط الفني في عام 1954. أ م كلثوم تُضحك الجمهور الفنانة (أم كلثوم) بعد فترة طويلة، وعند اطمئنانها بعدم وجود فنانة تنافسها وتهدد صدارتها جربت نفسها في لون الأغاني الخفيفة وقدمت أغنية (غني لي شوي شوي) التي غنتها في إحدى حفلاتها الفنية فبدأت الجماهير تضحك وضحكت هي، لأنها كانت تعرف أن هذه الأغنية تحديدا تُصنف ضمن الأغاني الهابطة في ذلك الوقت. تلفون شادية شاهد شادية دخلت تلك المنظومة وهي من أهم الأسماء التي حملت على عاتقها الصعود بالأغنية الخفيفة فقدمت (سونه ياسونسن) و(التلفون) التي تقول كلماتها: مخاصمني بقاله مده وفي ليله الشوق نداني كلمته سمعت حسه وقفلت السكه تاني لكنو ياناس واحشني وخصامه كمان حايشني وظهرت المطربة صباح أيضا بأغانٍ مثل: زي العسل من الي قال زي العسل الحب مش زي العسل الحب احلى من العسل كما قدمت نجاة الصغيرة: (روح منك لله) و(اسهر وانشغل انا)، والعجيب أن هذه الأغاني أصبحت علامة فارقة في تاريخ أصحابها وفي تاريخ الفن الجميل. كما قدمت الفنانة الراحلة فايزة أحمد (بيت العز) مع الملحن محمد الموجي، وحققت هذه الأغنية نجاحات كبيرة كانت من ضمن أحد أهم أفلام فايزة أحمد مع الفنان حسين رياض: بيت العز يابيتنا على بابك عنبتنا واضطر الفنان زكي رستم إلى استغلال هذا العمل وضمه إلى لوحة درامية جميلة جدا سمّاها (بيت الوز)، وذلك في عام 1971، وتوفي بعدها بعام واحد، ولم يلاحظ نجاحا أو يستمتع بنجاحه: بيت الوز يابيتنا على سطحك عشتنا بالذره زغطناها وفي الصبح دبحناها وحلفنا برحمتها الأطرش لحن بالتخصص وقدم أيضا فريد الأطرش عددا من الأغاني التي وصفت بالهابطة مثل: (فوق غصنك يالمونه)، (زينه)، و(بيع الجمل ياعلي) مع المطربة سميرة توفيق في عام 1969، وحققت شهرة واسعة في كافة الوطن العربي.. وتقول كلماتها: بيع الجمل ياعلي واشتري مهر الالي كرمي لوح واستوى والعنب طاب وحلي وقدم أيضا فريد مع الفنان عصام رجي في عام 1971 الأغنية الشهيرة التي عُرف الفنان بها: ياسمره ياتمر هندي يا أطيب مشروب عندي كلما بقلا اسقيني شوي بتقلي ماعندي مي (حليم) معهم واستمر الحال مع أشهر المطربين في ذلك الوقت عبدالحليم حافظ؛ حيث قدم مجموعة أغانٍ اشتهرت بصوته لكن الجماهير لا تعلم أن هذه الأغاني ماهي إلا (طقاطيق) كان أغلب النقاد والفنانين غير مرحبين بها في سماء فن عبدالحليم حافظ ومنها: (أسمر يا اسمراني)، (قاضي البلاج)، (على قد الشوق اللي في عيونك) و(حياة قلبي) التي أصبحت أغنية الناجحين بعد ذلك. فنان العرب و(صوت الأرض) لم تكن الأغاني الخفيفة التي استغرب الجمهور تقديمها، حصرا على فناني الشام ومصر بل في ظهرت في السعودية، وفي عز التنافس بين محمد عبده وطلال مداح، ظهرت في تلك المرحلة أغانٍ من هذه الفئة مثل (أسمر عبر) و(لا تناظر لي بعين)، وكانت في حينها ليست بمستوى تطلعات الجمهور، ولكن فيما بعد أصبحت أغاني مضيئة في مسيرة فنان العرب. الراحل طلال مداح غنى (عمله مغشوشه) في منتصف التسعينيات الميلادية على سبيل المجاملة، إلا أنها لم تضف ل(صوت الأرض)، بل أثارت استياء الجمهور حينها.. وتقول كلماتها: اثاريك عمله مغشوشه وعامل لينا هالدوشه تحب لحظة وتطب لحظه كأنك صحراء مفروشه