ان الرابطة العربية تدعم اللبنانية لتتكامل هكذا فكرة الوطن الواحد بانفتاحه بعضه مع بعضه الآخر ويتكامل الاثنان مع جامعين هما اللبنانية والعروبة كما الاسلام والمسيحية والشرقي كأن لبنان كان ولا يزال هو الثنائي المسلم - المسيحي الذي كان رغم ألمعية دوره مضطراً لأن يذكر نفسه دائماً بأنه ينتمي أولاً وقبل كل شيء الى مشروع وطن. ولولا مسيحيته لما قام على الأساس الذي هو قائم عليه، فهو كيان موجود كتلبية لحاجة المسيحيين من أبناء المنطقة، ولولا المسلمون أيضاً لما دام. وإذا كان الأقباط أقلية في مصر فإن المسيحيين ليسوا أقلية في لبنان، وتدل كل المؤشرات على أن مشروع الوطن اللبناني لما تجذر في الأرض وتحول الى حتمية وجودية لولا الكثافة المسيحية النسبية الموجودة في لبنان. ولا ينسى أحد ان المسيحيين ليسوا عنصراً يمكن الاستغناء عنه في الكثير من الدول العربية بدءاً بلبنان وربما غيره أيضاً. فالمسيحيون شأنهم شأن المسلمين أصحاب البلاد وليسوا وافدين إليها من الخارج بشكل من الأشكال. إن المسيحيين ليسوا جزءاً لا يتجزأ من لبنان فقط، بل هم كذلك في غير لبنان كما هي الحالة في مصر والعراق وفلسطين ولبنان طبعاً. ورحم الله الشاعر المسيحي نقولا فياض القائل: الشرق شرقي أين صارت شمسه ودم العروبة في دمي وعظامي سجلت في متنيه نصرانيتي وكتبت فوق سطوره اسلامي. فالمسيحيون في لبنان لا يعتبرون أنفسهم جزءاً من لبنان بل هم والمسلمون نسيج وطني وإنساني وثقافي واحد قوامه المجتمع المتكامل والمتماسك. لم يشعر الشاعر الدكتور نقولا فياض بحرج تجاه المسلمين اللبنانيين نتيجة كونه مسيحياً ولا شعر بحرج تجاه شرقيته. والطوائف في لبنان ليست معسكرات ولا بؤر ثقافية واجتماعية منعزلة بعضها عن بعض بقدر ما هي ظواهر تعدد ضمن وحدة وطنية وثنائية واجتماعية متكاملة. وما اللبنانية والوطنية والقومية إلا كل متماسك مفتوح على التعدد والتكامل والتواصل بلا ضيق من جهة بالجهات الأخرى. ولا ضيق من طائفة بطائفية ولا ثقافة بثقافة ولا رؤية برؤية بل ان الوحدة تدعم التعدد كما التعدد يدعم الوحدة لينمو ويغنى كيان في وطن ووطن في كيان يتغذى بالوحدة وبالتعدد معاً. وإذا كان لبنان ولا يزال على تنوعه تكويناً وطنياً وقومياً وثقافياً واحداً فإن ذلك يعود الى كون تعدده ليس تباعداً أو غربة لأفرقاء في وطن بل بالعكس فوحدته داعمة لتعدده وتعدده دعامة لوحدته. فدولة الوطن الوحدة تبقى فقيرة إذا لم تكن ولم تستمر دولة الوطن الواحد. بل ان الصفة اللبنانية فيها هي دعامة لعروبتها كما ان عروبتها هي دعامة للبنانيتها. انه الوطن المفتوح على الأديان والثقافات والعلاقات الاجتماعية والفكرية. بل ان الميول اللبنانية جاءت هنا تدعم الرابطة العربية كما ان الرابطة العربية تدعم اللبنانية لتتكامل هكذا فكرة الوطن الواحد بانفتاحه بعضه مع بعضه الآخر ويتكامل الاثنان مع جامعين هما اللبنانية والعروبة كما الاسلام والمسيحية والشرقية. وليس من قبيل المصادفة أن يكون الشاطر حسن في القصص العربي هو صغير إخوته فالفتوة إضافة نوعية على الكيان العائلي الجامع كما ان الابوة تبقى هي القيادة الضابطة والموجهة. ان الوحدة تقوى بالتعدد كما ان التعدد يكسب بالرابطة الجامعة. ولعل أهم ما في الديمقراطية كنظام حكم انها تنظيم للتعدد واغناء للوحدة فلا التعدد يتحول الى تفتت ولا الضبط يتم على حساب الارادة الجامعة. والواقع ان أحداً لم ينصف لبنان مثل ذلك اللبناني الكبير الذي قال: أنا حسبي انني من وطن هو بين الله والأرض كلام. فلا الحاكم ينسى الله ولا المحكوم لا يجد من يسمعه إذا هو حكم. فالديمقراطية هي الحاكم الذي واجبه الأول هو أن يسمع ويعلن والمواطن الذي يرى حقدا بل من واجبه أن يظلم ويفصل. انها الديمقراطية كما يفهمها اللبناني العقلاني الحر الذي لو كثر أمثاله لكان لبنان بألف خير. ان أهمية الديمقراطية هي في كثرة المواطنين الذين يفهمون الديمقراطية على حقيقتها. والحمد لله ان في لبنان من هو مخلص في فهم المعاني الحقيقية للديمقراطية كيف هي وخصوصاً كيف يجب أن تكون. بل لعل الديمقراطية اللبنانية لم ترسخ في الأرض بشكل جدي إلا عندما كثر عدد اللبنانيين المؤمنين بها. بل لعل لبنان ما قام وما دام بالمعنى الصحيح إلا عندما كثر من ابنائه من هم ديمقراطيون مؤمنون فعلاً بالديمقراطية. انه لولا الديمقراطية ما قام لبنان ولا دام فضله عليه أوضح من أن يشرح. ليس في لبنان بترول ولا غير بترول بل فيه الديمقراطية ولله الحمد وهي تبرر وجوده الأساسي. ولعل العالم العربي كله استفاد من وجود سمعة الديمقراطية في الوطن اللبناني. إن وجود المسيحية في لبنان جنباً الى جنب مع الاسلام لم يفد لبنان وحده بل أفاد العالم العربي كله فالعرب كلهم مسلمون ومسيحيون استفادوا من وجود النظام اللبناني الديمقراطي الحالي: وان احداً لا ينكر وجود نقائص في النظام اللبناني. ولكن لا أحد ينكر أن وجود الديمقراطية في لبنان لم يفد اللبنانيين فقط بل افاد كل بلد عربي ايضاً. والمفروض أن يدرك اللبنانيون هذه الحقيقة لا على سبيل التبجح بل على سبيل الولاء للذات اللبنانية ولرابطة العروبة. فهو واحد منها لا أقل ولا أكثر. إن ثلاثية العروبة والاسلام والمسيحية الشرقية يبدو وحدها القادرة على ضخ القدرة على الصمود في الكيانات العربية المهددة عموماً في مصالحها ومكانتها المادية والمعنوية ودورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي من قبل جماعة عالمية تدعي بأن العرب يتمتعون بمكانة ووجود اقتصادي وسياسي لا يستحقونها فلا بد من تقويم الوجود السياسي والاقتصادي للبلاد العربية والدول العربية ومن السذاجة أن لا يفهم العرب كيفية نظر الدول الغربية اليهم فالعرب إما أن يكونوا ويظلوا سذجاً أو يروا العالم الخارجي كما هو في الحقيقة عالم مصالح وأطماع محتاطون للأمر خصوصاً بعد تكشف النيات. إن الوعي العربي على الحقائق والنيات كبير ولله الحمد ولكنه لا يزال بحاجة الى مزيد من الذكاء والتفعيل خصوصاً في كيفية التعامل مع الدول الكبرى. ليس العرب أعداء للعالم الخارجي ولا يصح أن يكونوا كذلك. ولكن الوعي على الذات في الحاضر والمستقبل يبقى هو الأساس. كان الفرنسيون، الحاكمون أقل قدرة على التصور من أن يأخذوا بجدية حدث قيامه فتركوا، فلبنان كان في نظرهم جبلاً لا وطناً ولكنهم في النهاية أن يتعاملوا معه كوطن جدي، ولكن السؤال الملح الآن هو هل إن القادرين والمتفهمين للحقائق اللبنانية والعالمية هم أصحاب القدرة على الفهم والتصرف، ذلك هو السؤال الذي ينتظره اكبر اللبنانيين ولكن هل عليه جواب يعرفه ويتمسك به معظم اللبنانيين؟