تقاس الإيجابية بين الناس بقدر ما تقدمه الشعوب من عطاءات لمجتمعاتها الصغيرة والكبيرة، وهو تصديق لمنهج رباني شريف امرنا به الله عز وجل وذكرنا به وحث عليه نبينا الكريم عليه افضل الصلاة والسلام في العديد من الاحاديث الشريفة وكان منهجاً لصحابته والتابعين وتابعيهم الى يوم الدين حتى يومنا الحاضر، ولذا يعد التطوع اثباتا صادقاً على الإيجابية لأنها تأتي بعد خبرة طويلة من الزمن وفي معتركات مختلفة من الحياة وبها يمكن ان نختصر الكثير من المسافات على النشء الجديد وعلى العديد من البرامج التي تبدأ دائماً من حيث بدأ الاخرون ولكن بخبرات المتطوعين نستلهم المستقبل ونبدأ من حيث انتهى من كان قبلنا. ولا يختلف اثنان ان مسار وثقافة العمل التطوعي دون المأمول في بلد الخير واهله وهذا في المجمل الا ان ثمة انجازات تطوعية تحققت على المستوى المحلي والقاري والعالمي تسجل بمداد من نور لأهل هذا البلد وحكومته ونطالع ذلك باستمرار عبر وسائل الاعلام المختلفة ومالم ينشر اكثر بكثير مما نشر بحمد الله، بل ان العمل التطوعي قد اصبح عملاً مؤسسيا بشكل اكبر في الكثير من الجهات وتحول الى منهج تعليمي واكاديمي على وجه الخصوص في بعض جامعاتنا. وللعودة الى الاصل في ذلك فان العمل التطوعي هو عمل تعبدي لا يقوم به الانسان الا طمعاً في رضا ربه وخدمة للمحتاجين اليه، قال الله تعالى في محكم كتابه: (ومن تطوّع خيْرًا فإنّ اللّه شاكر عليم). (ومن تطوّع خيْرًا)، أي أتى بخير من الأعمال والأفعال تطوعاً، والتطوع هو التبرع بالشيء، والطوع بمعنى الانقياد، (فإنّ اللّه شاكر) لعملهم، ومعنى شكره: تقديره وجزاؤه للعامل، (عليم) بأعمالهم، فلا يفوته شيء منها. وقال تعالى: (فمن تطوع خيرا فهو خير له) وهي إشارة إلى فائدة التطوع النفسية الكبيرة للمتطوع وتأكيد كريم على الخيرية للمتطوع في الدنيا والآخرة لأنه بذل وعطاء من تلقاء النفس دون دافع مادي الا رضا الله عز وجل وخدمة الاخرين والطمع في الجنة التي اعدت للمتقين. ان في العمل التطوعي استثمارا للقدرات واستثمارا للوقت وتحقيق بصمة إيجابية في المجتمع هو اكبر ما يكون في حاجتها من اصحاب الخبرات، والتطوع تجد فيه النفس حياة جديدة يولد معها التفاؤل ويكبر معها حب الاخرين وتصغر معها السلبية وتعظم معها الإيجابية ويتحقق معها معنى الايمان والاخوة بأبرز صورها وعطاءاتها، ومن يدخل هذا المعترك الروحاني العالي القدر يلحظ السمو في شعوره وروحه بشكل لم يعهدها عليه ويزداد لديه حب الناس كل الناس الفقراء والمحتاجين والاغنياء والموسرين لان العلاقة تبادلية بينهم والمتطوع ضابط الاتصال فيها. وبقي علينا هنا ان نضع اطارا مؤسسياً تفاعلياً صحيحاً للعمل التطوعي عامة وتشرف عليها منظمة اجتماعيه او هيئة خيرية او مصلحة حكومية كوزارة الشئون الاجتماعية تنظمه وتعرف اطره وتعرف اماكن الحاجة اليه وتستفيد من التجارب للجمعيات الخيرية وتضع لذلك برامج حسب المنطقة والمدينة مع ايجاد قاعدة بيانات دقيقه تحصر المستفيدين منه والمتطوعين فيه وتقدم الدعم والمساندة لهم فهم خير من ينقل الصورة المثالية عن المجتمع واهله بكافة طوائفه واجناسه واعماره، كما على تلك المنظمة ان تبرز عطاءاته وتحدد تخصصاته وتسوق خبراته وتجعل منه واقعاً نعيشه ونفتخر به. لان هناك الكثير من اصحاب النفوس الطاهرة يتمنون التطوع ولا يعرفون اليه سبيلا او لا يحسنون اختيار الطريق الذي يسلكونه ليحققوا ذواتهم من خلاله او يحبطون اذا اعتذر اليهم من مكان واحد ويحسبون الامر كله كذلك في حين ان هناك العديد من البرامج والجمعيات تتمنى وجود المتطوعين كي يدعموا خططها ويحققوا اهدافها ويسيروا معها في ركب الخيرية التي اختارها الله عز وجل للمتطوعين. وفي الختام، ان اصدق ما يوصف به العمل التطوعي انه (زكاة العمر والعلم) وذلك من خلال المجهود البدني الذي يبذل والمجهود الفكري الذي يقدم، ثم ان فيه تطهيرا للنفس عن كل ما لحق بها اثناء مشوار خدمتها مثلما كانت الزكاة طهرة للمال وهو صندوق براءة الذمة الاخروي، وهو بذرة مثمرة يزرعها الانسان لآخرته ويلاقي به وجه ربه الكريم وقد رجحت بصحائف اعماله ليسد بها نقص واجبات كلف بها او فرائض قد نسيها او مستحبات قد اهملها ان ربي لغفور رحيم وانه لغفار لمن يشاء. اما في الدنيا فالعمل التطوعي هو اسمى درجات الإيجابية بين الانسان ووطنه واخوانه المواطنين وفيه نشر للقدوة الصالحة بأسمى معطياتها واطيب مخرجاتها واصدق عطاءاتها وقد اشارت دراسة أمريكية شاملة الا انه لو كان بالإمكان وضع التطوع في حبة دواء لأصبحت الاكثر مبيعاً في العالم لأنها تزيد المرء سعادة وصحة وعمراً، وفي دراسة اخرى وجد التأثير الايجابي للعمل التطوعي على صحة القلب والبدن وزيادة الثقة بالنفس والصحة العقلية والمزاج والعاطفة.