في بلاد ليس فيها حمامٌ آجل .. ولا أشجار سائبة، ولا أصدقاء من شوك الوقت ومدافن الظن، حيث لابياض عرضة للغبار ولا أغصان شجرة تدلّت فوق سور جارنا فسلبنا ثمارها.. في كل تلك البلاد.. كانت الرسائل من التاريخ للتاريخ.. ومن الاحتمال الآني والواقع المتربّص به، لفضاء الأثير ونثر الكلام في أمسيات النجوم.. جئتُ هنا صوتًا هاجسًا بالتاريخ .. حين لايبقى من مآثره إلا الذكرى، ولا في (مجلس أو صفحة) ولادة بنت المستكفي.. إلا مانقله لنا الرواة من أن القمر لم يخجل يوما من غزل الشعراء وإن فعلوا، ومن أن الشعراء حين يتنبّؤون لاتتساقط النجوم إلا رجما للشياطين .. وما نحن عنه معرضون ..! قلتُ : إنَّ مع الهجر شعرا وإنَّ مع الشعر ذكرى.. لقد دخلنا اللحظة الآنية مرحلة الإنابة في البوح والولوج من نفق الصمت حتى في العناوين.. السطور مخدَّرة، الحروف سكرى.. والحزن أكبر من ذبول الأنامل بينما تكتب وصية الشعر لقصيدته..! التاريخُ لايكتبه إلا المنتصرون.. هذه سنّة عربية جعلت من تاريخنا محض احتمال..! لذلك لا أعتدُّ إلا بما عرفت ولا أؤمن إلا بما اقترفت يداي..! حين أطلب أن لاتقرئي ماكنت قد أرسلته لك.. لا أكون حينها قادرا على أن أكون لئيما لأستفزَّكِ بقراءته .. بل أتلبَّس حزنك وانكسارك حين تقرئين وأتمثل به.. هذا مالم تفهميه يوما..! إيه ياولاَّدة.. الزمن الذي لايعود أعذب رغم أنف غريزتنا البشرية، لذلك لم أعد أحرص إلا على أن تبقى الذاكرة منديلا أخضر معلقا على حبلٍ يمتد من أول العطر حتى دعوات المراكب المعصوفة..! ليس لي إلا أن أكتبَ ما يمليه عليَّ قلبي.. هذا ما أقوله.. كلما ذكرتني ريشة الكتابة بغراب تطوَّس.. المدهش في الأمر ياولادة.. أنني أكثر الرجال إدراكا لاستثنائيتك، واستحالتك، حتى وأنتِ تمنحين قبلتكِ من يشتهيها..! أعلم أن كرسي ابن عبدوس في مجلسك جزء من أنوثتك.. وأنني شاعرك الأول والأخير، ولهذا كنتُ الرجل العاشق الذي يهب معشوقته التاريخ فتكتبه كما تشاء.. ولهذا أيضا قلت إن التاريخ يكتبه المنتصرون..! هذا أقل ما يمنحه شاعر مثلي لامرأة بحجم ولادة..! مثلك ياولادة حين يعشقها مثلي سيكتفي بالتوسل لظلالها كي لاترافقها حين تغادره امرأة خصرها ناحل وأنفها في السماء، نعم يا ولادة بقي ظلك معي حتى آخر قصيدة.. إنه أكثر رحمة منك.. أو لعل بقاءه سر خلودك في ذاكرة الشعر.. ياااه.. ما أكثر المنتمين لعينيك، وما أقلَّهم فيها..! وحدي يعلم من أين ينبع العطر الذي يدعيه الساهرون في مجلسك، ولعلني كنتُ الوحيد الذي تحمَّمت فيه طفلا يهذي..! لا أريد أن أنشغل الآن بالآخرين فهم لم يعرفوا مثلي بعد أنك الأنثى الوحيدة التي تستبدل خاتمًا من ذهب بحفنة من شعر.. وتسرد لشمعتها الليلية التي لم يطفئها يوما شاعر غيري سيرة الشعراء الذين تخلقوا في رحم عينيها وانكشفوا مع أول التفاتة لها.. وحدي ياولادة من كتبكِ من هامة الحزن حتى أخمص الصدق..! لا أخاف على قصائدي من زحام الشعراء لأنك كل عناوينها، ما أخافه نحول جسدي وضعف أحلامي حينما تؤوب القصائد إلى أعشاشها.. وأنكفئ على فراشي أتمتم: ما بأيدينا خلقنا (شعراء)..!!