النشاط الذي تضطلع به وزارة التجارة والصناعة في مكافحة ظاهرة الاحتكار في سوق السيارات يبعث على الأمل. فبعد قرارها الخاص بالخدمات المقدمة لصيانة السيارات والتي تم بموجبه تحرير المستهلك من ضرورة إجراء الصيانة الدورية لدي الوكيل جاء طلب معالي الوزير خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة من منتجي السيارات الأمريكية بفتح مكاتب لهم مستقلة في المملكة بعيداً عن الوكلاء لقياس رضا العملاء. واعتقد أن الوزارة إذا ما وسعت نشاطها للحد من سيطرة الاحتكارات ليشمل بقية المجالات فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تغيير جذري في الاقتصاد. فالتنمية منذ زمان قد أصبحت رهينة مصالح عدد محدود من أصحاب النفوذ ورأس المال. وهذا بدوره أعاق المنافسة التي هي أحد الأعمدة الرئيسية التي قام على أساسها اقتصادنا. ومع ضعف المنافسة رأينا أنفسنا غير قادرين على تحقيق بقية طموحاتنا وعلى رأسها تنويع هيكل الناتج المحلي الإجمالي. ورغم أن المستهلك هو الضحية الأولى الذي يجبره احتكار الأسواق على دفع مبالغ إضافية لشراء السلع التي يحتاجها فإن المتضرر النهائي من هذه الظاهرة هو الاقتصاد بكامله. وفي المقدمة تأتي الصناعة. ولهذا فإنه ليس من الصعب تصور المأزق الذي تعاني منه وزارة التجارة والصناعة. فهي من ناحية يفترض أن تعمل كل ما في وسعها من أجل تشجيع التجارة والتجار على توسيع أعمالهم وزيادة الخدمات التي يقدمونها للناس. من ناحية أخرى فإن احتكار الأسواق الذي يؤدي إلى رفع العائد من الاستثمار التجاري لا بد وأن يؤدي إلى عرقلة التطور الصناعي. فالاستثمار التجاري بحد ذاته مغرٍ لقصر دورة رأسماله. فإذا أضيف إلى ذلك ارتفاع معدل الأرباح الناجم عن احتكار الأسواق فإن أغراء رؤوس الأموال بالتدفق على القطاع الصناعي ذي الدورة الطويلة لرأس المال سوف لن يكون من الأمور السهلة. ولهذا فإن وزارة التجارة والصناعة والحالة تلك أمام خيارات صعبة. فهي إما أن تقدم لرؤوس الأموال الصناعية من الحوافز والمغريات ما يكفي لتعويضها عن انخفاض العائد مقارنة بالقطاع التجاري أو أن الوزارة تدخل في مواجهة للحد من ظاهرة الاحتكار التجاري التي تؤدي إلى رفع معدل الفائدة على رأس المال. ومثلما نعلم فإن التشوه الذي يعاني منه اقتصادنا مبعثه عدم تطور القطاع الصناعي. فهذا الأخير من المستحيل أن يتطور إذا كان العائد على الاستثمار في القطاع المالي والتجاري والخدمي يحقق معدلات أعلى. ولهذا فإنه رغم كل حرص خطط التنمية على تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط فإن هذا الهدف، مثلما نرى، يرحل من خطة إلى أخرى. من هنا فقد تكون المطالبة التي يطرحها بعض الصناعيين بتقسيم وزارة التجارة والصناعة إلى وزارتين: وزارة للتجارة و وزارة للصناعة يحمل في طياته بذرة واقعية طالما أن الوزارة خلال الثلاثين عاماً الماضية وأكثر لم تتمكن من تقديم الدعم لقطاع التجارة وقطاع الصناعة بصورة متساوية.