أنهت المملكة بنجاح، خلال الفترة الواقعة بين 25- 27 يناير الماضي، المراجعة الأولى لسياستها التجارية منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية. وهذا إجراء روتيني يتأتى على البلدان الأعضاء في المنظمة القيام به بعد مرور فترات زمنية محددة. الأمر الذي يتيح للمنظمة التأكد من تطبيق البلد العضو للالتزامات المطلوبة منه ومعالجة الشكاوى والرد على الاستفسارات التي قد ترد من قبل بقية الأعضاء. من ناحية أخرى فإن الوفد المفاوض الذي سافر لجنيف للمراجعة والذي يضم بين جنباته أعضاء من ثلاثين جهة حكومية يحتاج كما يبدو لي للمساءلة، ليس فقط من قبل أطراف خارجية وإنما أيضا من قبل جهة أو جهات حكومية وأهلية من الداخل، عن العائد الذي حققته المملكة واقتصادنا جراء انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية. وما دام مؤتمر التنافسية قد أنهى للتو أعماله فإن السؤال الأول الذي يفترض أن يوجه من قبل هذا المؤتمر لتلك الجهات بعد عودتها من سويسرا ربما يكون عن الجهود التي تم بذلها، منذ انضمامنا عام 2005 لمنظمة التجارة العالمية، من أجل رفع مستوى تنافسية اقتصادنا والنتائج التي تم تحقيقها لإقامة اقتصاد متطور متعدد المزايا النسبية. أو بمعنى آخر نحن يفترض في البداية أن نحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا الغير عن جدوى انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية. فهذا الغير تهمه المنفعة والأرباح التي سوف تعود عليه من التحاقنا. أما نحن فيفترض أن نحسب العائد أو الجدوى التي ترتبت على التحاقنا بنادي النخبة. فالكثير منا ربما يتذكر النقاشات التي جرت في الصحافة والإعلام قبل الالتحاق بهذه المنظمة. حينها كنا نمني النفس بأن انضمامنا سوف ينعكس على حياتنا بصورة إيجابية وأن سكان المملكة سوف تتاح أمامهم الفرصة للحصول على البضائع والخدمات بجودة أعلى وأسعار أقل نتيجة المنافسة وخفض التعرفة الجمركية. فهل تحقق ذلك؟ وأنا أثير هذه التساؤلات ليس بقصد التقليل من أهمية انضمامنا لهذا النادي التجاري الأممي وإنما من أجل إثارة النقاش حول الكيفية التي يمكن من خلالها رفع العائد على اقتصادنا وأبناء بلدنا جراء ذلك - خصوصاً وأننا قد بذلنا جهداً مضنيا استمر 12 عاماً من أجل دخولنا. فنحن لو أجرينا كل أربع سنوات مراجعة مع أنفسنا عن المكاسب التي حصلنا عليها من التحاقنا بمنظمة التجارة العالمية والانجازات التي يفترض أن نعمل من أجل تحقيقها خلال السنوات الأربع التي تليها فإننا بدون شك سوف نتمكن من تعظيم المردود على بلدنا جراء عضويتنا في المنظمة. وأعتقد أن أول ما يفترض أن نعيره الانتباه في هذا المجال هو الشفافية والمنافسة. فاقتصادنا رغم أنه قائم على أساس السوق الحرة فإن سيطرة المحتكرين، مثلما ذكر سعادة رئيس اللجنة التجارية في غرفة جدة واصف كابلي في مقابلته مع صحيفة الحياة يوم السبت الماضي، هي من أهم العوامل التي تقيد تلك الحرية وتعيق المنافسة. ولذلك فإننا ما لم نضع حدا أو بالأصح ضوابط معينة لمنع احتكار السوق فإن الجدوى من انضمامنا لمنظمة التجارة العالمية سوف لن تكون بنفس المستوى الذي نطمح فيه. والشفافية في هذا المجال سوف تكون خير معين لنا. فاحتكار جهة أو جهات معينة للأسواق لا يؤدي فقط إلى لجم المنافسة وإنما أيضاً عرقلة تطور الاقتصاد. فمثلما نعلم فإن أولى نتائج انعدام المنافسة هو التضرب بالأسعار ورفعها إلى مستويات خيالية. ولكن ما الذي يعنيه التضرب بالأسعار وحصول التجار على أرباح تصل إلى 200% غير إعاقة تدفق رؤوس الأموال على قطاعات الاقتصاد الأخرى مثل الصناعة التي تحتاج الإستراتيجية التي وضعت من أجلها إلى إنعاش بعد الجمود الذي طرأ عليها. فمن من أصحاب الأعمال سوف يستثمر في الصناعة أو في المعلومات أو غيرها من قطاعات الاقتصاد الحقيقية طالما أن توظيف رؤوس الأموال في التجارة تدر على أصحابها تلك المعدلات الخيالية من الأرباح؟