تشير إحصاءات وزارة التجارة والصناعة إلى أن السجلات الصناعية لا تتعدى نسبة 1% من إجمالي السجلات المدونة لديها. وهذا أمر كان من الممكن أن لا يقلقنا لو أن الوضع اقتصر عليه بمفرده. فنحن يمكن أن نجد المبررات لذلك والتي من ضمنها أن رؤوس الأموال الصناعية هي من الكبر بحيث لا تساوي معها رؤوس الأموال التجارية. ولكن للأسف أن ذلك المؤشر ليس هو وحده الذي يدل على تواضع حجم النشاط الصناعي في بلدنا. فمساهمة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الاجمالي هي الأخرى ضئيلة. وأهمية الحديث عن القطاع الصناعي لا تقتصر فقط على دوره في تنويع الهيكل الاقتصادي وتحويله من اقتصادي احادي الجانب قائم على النفط إلى اقتصاد متعدد المزايا النسبية. فهذا أمر مفروغ منه وهو محل اهتمام كل خطط التنمية. فأهمية الصناعة، كما ييدو لي، تتعدى هذا الهدف بكثير. وأعتقد أن المسؤولين في وزارة العمل يمكن أن يؤكدوا على صحة كلامي عن أهمية الصناعة لرفع نسبة السعودة في الاقتصاد. فدولاب الصناعة في أي بلد تديره الملايين. بيد أن تطوير مساهمة الصناعة يتطلب منا أولاً أن نحسم موقفنا من الاستراتيجية الوطنية للصناعة والتي وضعت خصيصاً للنهوض بهذا القطاع الحيوي. من ناحية أخرى فإن هذه الاستراتيجية، حتى في حال تطبيقها، قد لا تكفي وحدها لرفع نصيب الصناعة في الناتج المحلي. وأنا أعتقد أن أمامنا في ظل الخصائص التي يتمتع بها اقتصادنا عدة خيارات لإعطاء الصناعة دفعاً قوياً. وأول هذه الخيارات قد يكون رفع مساهمة القطاع الحكومي في الصناعة التحويلية. إذ يفترض أن يكون هناك بعض التناسب بين مساهمة هذا القطاع في الصناعة الاستخراجية والصناعة التحويلية. فهذه الأخيرة تحتاج إلى دعم ورعاية لا تقل عن الصناعة الاستخراجية إذا لم تكن أكثر. ولدينا في هذا المجال الصين والهند النمران الاقتصاديان اللذان يشارك القطاع الحكومي فيهما بشكل نشط في دعم الاقتصاد التحويلي. فتجربتنا خلال ال 40 عاماً الماضية تشهد على أن القطاع الخاص غير قادر بمفرده على تطوير القاعدة الاقتصادية وتنويع مزاياها النسبية. الأمر الآخر هو أن قطاع الأعمال غير مستعد لتوظيف رؤوس أمواله في الصناعة بشكل مكثف وذلك لعدة أسباب. أولها أن دورة رأس المال في هذا القطاع طويلة مقارنة ببقية القطاعات. فرجل الأعمال يحتاج إلى الصبر 5 سنوات حتى يحين جني الأرباح. هذا بالإضافة إلى أن معدل الأرباح التي يحصل عليها الصانع هي أقل بكثير من معدل أرباح التاجر. وعلى هذا الأساس فمن المنطق أن تتدفق رؤوس على القطاع التجاري وليس الصناعي. إن الجهود التي بذلها صندوق التنمية الصناعية وصندوق الاستثمارات العامة هي جهود ضخمة. ولكن مثلما نرى أن هذه الجهود لم تؤد خلال السنوات الماضية إلى إحداث تغير جوهري ونقلة نوعية في هيكل الاقتصاد خصوصاً عندما يدور الحديث عن ميزان المدفوعات. وأعتقد أن أحد الأسباب يعود إلى أن الاستثمارات الحكومية الضخمة لم تعد بمثل تلك الكثافة التي كانت عليها في الثمانينيات من القرن المنصرم عندما شيدنا الصناعات الأساسية في الجبيل وينبع.