الغش والانتحال والتزوير وكل صور الكذب محرمة ومرفوضة في ديننا وتقاليدنا، وشريعتنا توجب الأمانة في أداء الحقوق المادية والفكرية، والقوانين تمنع نسبة جهود الآخرين إلى غير أصحابها وتجرم تزوير الشهادات والوثائق وغير ذلك. ولكن إلى أي حد تقوم مؤسساتنا التعليمية بواجبها تجاه توعية الطلاب والطالبات منذ مراحلهم الدراسية المبكرة وبطرق منهجية إلى أهمية تحري الدقة في طرق الحصول على المعلومات والأفكار، وتعويدهم على الاعتماد على جهودهم الخاصة في إنجاز واجباتهم وبحوثهم؟؟ كان من الشائع في المدارس ولا زال لجوء كثير من الطالبات والطلاب إلى الخطاطين ومكاتب الخدمات لصنع الوسائل والأعمال الفنية والبحوث التي تقدم في الأنشطة والمسابقات والمعارض، وكان الكثير من المعلمات والمعلمين يكتبون على تلك الأعمال أنها أنجزت بإشرافهم، وهم لم يشرفوا عليها، ومع أن التعليمات تمنع ذلك إلا أن الوضع كان يستمر، مما يدل على أنها ثقافة مستشرية، وانتشارها يعني أن الجانب اللاأخلاقي فيها لم يكن يؤخذ بجدية، والتساهل في قبول تلك الأعمال رغم العلم بمصدرها تعويد للطلبة على الكسل والغش والاعتماد على غيرهم في إنجاز الواجبات، وإخلال بمعيار الصح والخطأ وما يترتب عليه من عواقب في مستقبلهم، وكان الأولى غرس الثقة في نفوس الطالبات والطلبة وتدريبهم على مهارات تنفيذ تلك الأعمال وتوضيح أهمية تعلمها، ثم قبولها وتقويمها مهما كان مستواها. وإذا أضفنا إلى ماسبق ما كان يجري في كثير من المدارس وخصوصاً الأهلية من السماح بالاستعانة بالملخصات في فترات الاختبارات والتلميح بالأسئلة أو بالمواضع التي ستأتي منها، أوبيعها في بعض الحالات، يتضح حجم الجناية التي ارتكبت في حق هؤلاء الطالبات والطلاب!! لفتت نظري قريبتي التي نالت شهادة عليا من إحدى جامعات بريطانيا، أن إحدى المواد الأول التي درستها كانت عن الانتحال (plagiarism )، يتعلم الدارسون منها كيفية البحث عن المعلومات والحقائق والاختيار منها بطريقة صحيحة، وكيفية تكوين آرائهم واستنتاجاتهم بدون الاعتداء على حقوق الآخرين. وقد اطلعت مصادفة على موقع الكتروني يعنى بتربية وصحة الأطفال والمراهقين يوعي الصغار ويعلمهم كيفية تفادي ارتكاب ما يعرف بالانتحال والغش وهم لا يشعرون أنه خطأ، لأن مفهوم السرقة في أذهانهم مرتبط بالممتلكات المادية فقط. أما في الجامعات فيدرس الطلاب أن الغاية الأساسية من التعليم العالي أن يتعلم الطالب كيف يقوم بالبحث ويطور فكره وينمي مهاراته الكتابية وقدراته على تقديم عروضه وكيف ينسب الأفكار والإنجازات إلى أصحابها، وحتى لو كانت المعلومات متاحة للجميع في الانترنت فذلك لايعني استخدامها دون التنويه إلى مصدرها. مشكلة الانتحال بكل أشكاله تحظى باهتمام واسع من الجهات التعليمية في بريطانيا وأمريكا وكندا واستراليا ودول أخرى، وهناك تركيز على تعريف الانتحال وصوره وأسباب اعتباره أذى واعتداء على الآخرين، مع تحديد العواقب المترتبة عليه في جميع المؤسسات التعليمية سواء كان الانتحال متعمدا أو غير متعمد، وكيف يمكن تفاديه، وتوضع سياسات محددة ومعلنة في الجامعات تنص على وجوب التزام كل طالب بأن يكون كل ما يقدمه من واجبات واختبارات أو مشاريع وتقارير وبحوث وغير ذلك من متطلبات الدراسة من عمله، مع الامتثال لأسس كتابة البحوث واستخدام المصادر والمراجع وطرق الاقتباس والاستشهاد وغير ذلك وتحديد الجزاءات المتخذة في حالة الإخلال. ولأن الانتحال مشكلة تتنامى فإن الجامعات بالتزاماتها الأخلاقية تجد نفسها ملزمة بالتصدي لها من خلال الدراسات والإحصائيات التي تهدف إلى تحسين طرق المعالجة.