في أدبيّاتنا السياسية وتحليلات الكثير ممّن يتعاطون الشأن العام، ويمارسون التنظير الأبله لأوضاع الأمة، ومآلات أوضاعها ومصائرها، نجد أن نظرية "المؤامرة" تبرز بشكل فاضح ومخيف نسوّغ بها فشلنا وإحباطاتنا وهزائمنا وخيباتنا وانكساراتنا وعجزنا عن تحقيق الحد الأدنى من التطور والتحديث ومواكبة العصر بأدواته التي يتميز بها. تبرز نظرية "المؤامرة" على الأمة العربية في أدبيّاتنا وفهمنا وتعاطينا مع الأحداث، وتفسيراتنا واستنتاجاتنا ورؤانا - على افتراض أن لدينا رؤى - لنعلق عليها كل انحدار لنا وفشل في معالجة قضايانا الملحّة في مضامين التنمية وصياغة عقل الإنسان، وامتلاك الحقول المعرفية التي تؤهّلنا لنكون فاعلين منتجين ومؤثرين في إنتاج حضارة الإنسان، لا متفرجين هامشيين نعيش خارج دائرة الفعل والقرار والتأثير، ونستلهم وجودنا ونبرره بإرث فكري وحضاري عجزنا تمام العجز عن المحافظة على روعته وإبهاراته فتحوّل إلى اجترار بليد نتذكره كما نمارس الوقوف على الأطلال في نواحنا الدائم على الماضي وتجلياته. لم تعد المؤامرة في تحليلاتنا محصورة في العمل السياسي وما يصاحب العلاقات السياسية من تقلّبات وفتور وتقارب وعداوات وخصومات وتقاربات ودفء، بل تجاوزت ذلك إلى كل تفاصيل الحياة؛ فإن هبطت الأسهم في بورصة دولة عربية أرجعنا ذلك لمؤامرة غربية أو صهيونية، وإن فسدت محاصيل زراعية بفعل فيضانات أو جفاف أو عجز أمام مواجهة آفة زراعية أعدنا ذلك لثقافتنا المتأصلة الواهمة في فعل "المؤامرة" وغالباً هي أميركية غربية صهيونية، وعلى هذا تأتي القياسات على مجمل أوضاعنا. لم نكن نملك الشجاعة بالقدر الكافي لمواجهة أنفسنا ومصارحة ذواتنا بالخلل المخيف في تركيبة الأنظمة التوليتارية التي هيمنت على مصائر الناس، والمقدرات، وعطّلت التنمية، وأعاقت كل التوجّهات في النماء والنمو، وسربلت كل تطلّعات مواطنيها في الحصول على العدل، وتكافؤ الفرص، وحفظ حق المواطن في التعليم والصحة والعيش والعمل والحياة الكريمة للبشر، وتعاملت مع الناس كقطيع يُساق بالمخابرات والبطش والاعتقالات، ومقراتهم السجون والأقبية وغرف التعذيب والقهر ومصادرة كرامة الكائن البشري بأبشع الوسائل وأقذرها. لقد عُطّلت التنمية في كثير من البلدان العربية، وصودر عقل المواطن فيها تماماً، وتوجّهت أنظمة العسكر إلى فعل الاستبداد تحت شعارات "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، ففي بلد كسورية ونظامها البعثي اعتمد على أجهزة المخابرات في سحق الناس وإرهابهم ظلت التنمية معطلة أربعين عاماً والشعوب تتقدم وتحاول امتلاك الأدوات المعاصرة للحياة وأنماطها إلا في سورية. والآن مع بشاعة وإجرام النظام في قتل شعبه وتشريدهم لا يزال النظام يتحدث عن "المؤامرة". لم تكن الأسباب كامنة في تخلّف الشعوب العربية بفعل أنظمتها، ولا نعترف - للأسف - بهذا، ولا في أميّتنا وجهلنا ولا في عجزنا عن تحقيق منجز حضاري علمي، فما هو هدف الذين يتآمرون علينا؟ ولماذا لا يتآمر الغرب ضد دول مثل الصين واليابان والهند وماليزيا؟ دعونا نتحرّر من نظرية المؤامرة.. ونواجه الخلل في هذه الأمة وأسبابه بمنطق العلم والعقل.