كان التبليغ قديماً يجري بواسطة رجل يحمل طبلة تُقرع بالعصا، وعندما يجتمع الناس حوله في الساحة الكبرى من المدينة يقول لهم ما يريد إيصاله.. ومن بين ذلك زيادة ضريبة أو الإقلال من إنتاج سلعة غذائية لتجنّب الإغراق، أو توقعات غزو أو حرب، أو إيصال أوامر عليا للأهالى. كان ما قلت يجري في أوروبا. أما عندنا فكان "رجّال الأمير" يدور عصرا في الأسواق منادياً بما لديه. ويظل هكذا حتى أذان المغرب. وربما جاء خلفه رجل من الأهالي ينادي بفقدان (عنز ) مثلا !، وهكذا كان الإعلام. تابعتُ افتتاح المبنى الجديد لل بي بي سي (الإذاعة البريطانية ) ويضم أوسع غرفة أخبار في أوروبا، وافتتحته الملكة اليزابيث الثانية. وجري انجاز مشروع المبنى على امتداد عشر سنوات. يقودني هذا إلى الكتابة عن إعلام شرقنا العربي وكيف وصلت إذاعاتنا المحلية الى حشر برامج عن قراءة الحظ والتنجيم وتفسير الأحلام وقراءة الطوالع. محطات حصلت على امتياز البث الأثيرى تلقن أفراد المجتمع أرقاما للاتصال والحصول على الفتاوى، وذلك لغرض حشر الفترات الإعلانية وجذب الناس نحو تلك الموجات التي لم نسمع أنها أعطت الدولة أو المجتمع ولو نسبة بسيطة من دخلها الإعلاني . وفي ذهني ثلاث أو أكثر من اذاعات تمول سعودياً وتقفز الخطوط الحمراء وتجد في أغاني الصخب الموسيقي الغربي فتنة وجاذبية للشباب. وفي تفسير الأحلام وقراءة الطوالع منجم ذهب إما عن طريق حشر الفترات الإعلانية الاستهلاكية أو عن طريق استثمار ارقام الاتصال، أو تفسير الأحلام للفئات العمرية التي لا ترى في الصخب الموسيقي تسلية. الكسب مُخطط له بطريقة محسوبة، والجمهور فاتح فماً مصحوبا بهزة الرأس كما يفعل الدراويش. وقد سمعتُ أحد مُفسري الأحلام يردد عبارات تقليدية بلهاء على أن حلمك يا فلان : " خير"، وواعد، وينتظرك مستقبل زاهٍ . ولم أسمع خلاف ذلك. كيف جاء هذا المفسّر إلى البرنامج ومن أوصله إلى تلك الإذاعة ؟ بعض الدول - وربما بحسن نية - رأت في تمويل بث كهذا رافدا إعلاميا. ولم تكن تعرف الجهة الممولة أن وجهات النظر أصبحت تصل إلى المرء بواسطة الهاتف والشبكة. ومن الخسارة أن تقوم بتمويل أو استمرار تمويل يعجز في مرحلة ما عن نقل وجهة نظرها (قصدي وجهة نظر الدولة التي تموّل البث)..