ينتاب العديد من الموظفين حالة من الاكتئاب عند قرب بلوغه السن التقاعدية لأنه سيواجه المصير المجهول في جحود المجتمع له ولخبراته ولطاقاته التي لا تزال متقدة في الاغلب وكذلك في رغبته للعطاء التي لا يوقفها الا الاحباط ممن حوله واحاديث الناس انه سيموت قاعداً طالما اصبح متقاعداً. وكذلك لأنه الدولة لم تجعل للمتقاعدين برنامجاً متوازياً يقر من أعلى المستويات كخطة استراتيجية بعد خروجهم على المعاش كي نؤمن لهم حياة كريمة معنوية ومادية غير الراتب التقاعدي الذي لا يضاف إليه علاوة سنوية تواكب تغيرات الحياة وكأن الراتب توقف عن الزيادة بقوة النظام مثلما اوقف صاحبه من العطاء بقوة النظام الا ما صدر عن امر كريم سابق بإضافة 15% لرواتب المتقاعدين. واصبحت فئة كبيرة من طاقات وخبرات هذا الوطن الغالي معطلة دون استفادة منها لعدم وجود تنظيم خاص بهم يحدد كيفية اعادتهم للعطاء والاستفادة من تلك الخبرات المتراكمة التي صرفت عليها الدولة اموالاً لا حصر لها وتركتها في مهب الريح قبل ان يحل الزهايمر بأهلها فلا يعود منها ولا من خبيرها فائدة له ولا لمجتمعه. اننا اذا قلنا الدولة فإننا نقصد بها المظلة العامة للمواطنين عامة بكل الفئات والاجناس والاعمار والقطاعات ونركز على الوزارات بصفة خاصة وهي التي تختتم علاقتها مع رجالها الذين وفوا معها بحفل سنوي بعد تاريخ 1/7 توزع فيه دروعاً تذكارية لا تتجاوز مصروف ساعة واحدة في هذا الوقت العصيب على القادر فكيف بغير القادر وكان هذا نهاية المطاف بهم وتهمله في مناسباتها العامة وفي الاعياد ولا تتواصل معه وقد تنبذه اذا زارها وتستنقص تواصله وافكاره ومرئياته وكأنه قادم من كوكب آخر، بل انها لا تجعل له يوماً سنوياً تتواصل معه به الا بعض المصالح التي نعتبرها من كوكب آخر كسابك وارامكو وشركة الكهرباء في بعض المناطق، بل ولا يوجد تنظيم للعمل التطوعي اذا رغب الموظف المتقاعد ان يتواصل به مع الوزارة والمنشأة التي قضى فيها اغلب عمره. واستبشر المتقاعدون والمتقاعدات خيراً بصدور الموافقة على انشاء الجمعية الوطنية للمتقاعدين برقم 55396 وتاريخ 20 / 10 / 1426 وسجلت برقم 332 في وزارة الشؤون الاجتماعية كشخصية اعتبارية وذات ذمة مالية مستقلة لا تهدف الى الربح وتسعى لخدمة المتقاعدين عامة واعضائها المسجلين خاصة وبدأت الجمعية وتكونت واشهرت بتاريخ 13 /4 / 1429 برعاية رئيسها الفخري صاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - واطلقت رسالتها في ضرورة استفادة المجتمع والدولة من خبرات ومعارف المتقاعدين والعناية بالوضع الصحي والاجتماعي لهم مع تسويق خبراتهم وتدريب وتأهيل الراغبين في العمل من المتقاعدين واعتمدت اهدافها التي كانت تأمل ان تكون واقعاً معاشاً خلال فترة زمنية قصيرة الا ان واقعها الآن يؤذن بالتوقف لعدم وجود تفاعل يكاد يكون عاماً لولا محاولات لا يخالطها اليأس من مجلس ادارتها وامانتها العامة وادارتها التنفيذية وبعض اعضائها الفاعلين، ولكن من غير التفاعل العام سيتوقف الحال او يمل المتقاعد ويثبت في ذهنه انه اصبح كالحمل الزائد على وطنه وبعد فترات النشاط سيشعر انه كالحمل الزائد على اهل بيته لينتظر الموت قاعداً واخشى ان يستعجله اذا تراكم عليه الجحود من الناحيتين ويدعو الله به لأن الحياة تصبح كالجحيم عنده. اننا اذا نظرنا الى عدد المتقاعدين اليوم فانهم يتعدون سكان الكثير من الدول حيث تجاوز عددهم 900000 ألف متقاعد في القطاعين العام والخاص فاذا كان المجتمع بكل مكوناته قد تجاهلهم وتجاهل حاجاتهم ومتطلباتهم وحقوقهم في العيش الكريم فكيف ستكون صورة المجتمع عند أولادهم وكيف سننمي الوطنية والحس الاجتماعي عند النشء القادم طالما تجاهلنا خبرات والديهم، كيف سنواجه مع تلك الحالة المد الالكتروني الذي يؤكد باستمرار بحقوق الانسان وواجباته في حين ان الواجبات والحقوق اقتصرت على معاش تقاعدي جامد وحرم من علاوة سنوية تساعده ولا تكفيه للعيش الكريم واصبح الموظف المقتدر بالأمس يبحث عن ثغرات الضمان الاجتماعي ليدخل منها او يستجدي الموسرين في كل المناسبات وهو في دولة كريمة يصل خيرها للبعيد وهو القريب المحتاج وقد وجد التجاهل في ثلث عمره الأخير ويتمنى ان يختم له بخير مع ربه ومع دولته ومع مجتمعه، أليس هو بحاجة الى التأمين الصحي والى اماكن الترفيه والاندية الرياضية التي تبقيهم في صحة طيبة بعد سلامتهم من الامراض، ثم حاجته الى ان يشعر باحترام المجتمع له وتفضيله في التعاملات الحكومية، أليس من حقهم الأولوية في الاسكان الذي امر به خادم الحرمين الشريفين مع خصم خاص بهم لانهم افنوا حياتهم في خدمة الوطن والمواطن ولم يتمكنوا من امتلاك منزل يؤويهم ويستر احوالهم، أليس لهم حق من باب المسؤولية الاجتماعية ان يكون لهم وقف يستفيدون من ريعه في برامج جمعيتهم الشاملة، أليس على مؤسسات التقاعد والتأمينات الاجتماعية واجب تجاههم يتعدى الراتب التقاعدي، أليس من الواجب على جميع المصالح الحكومية والقطاع الخاص ان يستفيدوا من خبراتهم بمقابل ولو رمزي لنشعرهم بقدرتهم على العطاء، أليس من حقهم ان يجدوا نظاماً دقيقاً للتطوع يستطيعون ان يقوموا من خلالهم ما يرضون به انفسهم وخالقهم والمحتاجين لهم. وختاماً؛ امر المتقاعدين يحير اصحاب العقول المنصفة لان دولتنا بخير، ومجتمعنا محب وانساني وصاحب مسؤولية اجتماعية ويحمل في داخله بذرة يانعة للعطاء والجمعية الوطنية للمتقاعدين لها طموحات تعانق الثرياء والمتقاعدين لهم امال عراض في حكومتهم ومجتمعهم وجمعيتهم لا تزال على الثراء، والثقة في اصلاح احوالهم موجودة في كل الاطراف والآمال معلقة على رئيسها الفخري القادم ان يمنحها الاهتمام المستحق لأنها امانة كبيرة وبحث عن حسن ختام في سنوات العمر المتبقية والثلث الأخير من الحياة ان كتبها الله ذلك وهي في الاول والأخير حقوق وواجبات ننتظر ان ترى النور قريباً أليس حالهم اولى بكثير من الجهات التي اصبحت لها ادارات عامة وهيئات مستقلة، واخيراً ألا يحق لهم لقب المواطن الصالح لينعم بما يقابل عطاءه في سنوات صلاحه الطويلة، ولندرس حال المتقاعدين في الدول الاخرى ونستنسخ ايجابيات التعامل فالسعيد من وعظ بغيره.