لم يأتِ الإسلام إلى الجزيرة العربية وهو نتاج نجاح في ظل وجود دولة، أو في براعة تنوّع ثقافة.. إجمالاً لم تأتِ به جزالة سلطة.. أتى الإسلام إلى الجزيرة العربية وهي في أقصى حالات التشرّد وغياب وجود سلطة موحدة أو حتى وجود ثقافة محلية مقبولة.. لم يكن هناك إلاّ الشعر العربي.. جزالة وصف معارك وجزالة مضامين غزل.. لو احتسبتَ عدد القبائل لاحتسبتَ عدد الحكومات.. أتى الإسلام وهو نقلة ربانية بعيدة النتائج الراقية عمّا كان عليه الواقع من بساطة مضامين الأفكار والمعيشة.. ومعروف لدى الجميع أن عصر الخلفاء الراشدين كان عصر عدالة شاملة، ومنطلق مفاهيم فكرية وحضارية لم تكن معروفة من قبل.. حيث تمكّن توحّد القبائل في دولة إسلامية مبكرة التنفيذ من إنجاز دولة اتساع مساحي هائل تجاوز ما بداخل الجزيرة العربية إلى ما هو خارجها، ولم تكن هناك ألقاب سيادات أو إضفاء عبارات تبجيل تميز مسؤولاً عن مواطن آخر.. لكن بعد انتقال الدولة الإسلامية من الجزيرة العربية إلى الشام ثم العراق بدأت تدخل مفاهيم لم تكن معروفة من قبل، حيث لم يكن من اللائق في ذلك الماضي أن يعرّف مسؤول على أنه آية الله أو المقتدر.. وقد انفرد العصر العباسي بانطلاق تلك المسميات، وبوجود حزبيات لجأت إلى الادعاء الإسلامي حتى تتحرّر من واقع إسلامي قائم في بغداد آنذاك.. ذلك ماضٍ بعيد.. عندما أتى تأسيس الدولة الإسلامية موحدة سكان الجزيرة العربية في عصر الدولة السعودية الأولى فقد أتى الاستهداف لها منعاً لما مارسته من استبعاد لما كان ينفّذ عند غيرها من مقدسيات شخصية غير منطقية، بما في ذلك تقديس بعض القبور ومنح واجهات الأحياء ألقاب تميز إسلامي.. وعندما أتت المرحلة الثالثة بقيادة الملك عبدالعزيز عرفنا من ذلك العصر وحتى الآن ابتعاد رجال القيادات الدينية عن تلك الألقاب، حيث لم يعرف رجل الواجهة بأكثر من أنه فضيلة الشيخ.. وقد واجه عصر الملك فيصل استهدافاً شرساً.. لم نعرف في حياتنا، وكذا لم يعرفه آباؤنا، وجود تحريك لأي زعامة دينية بتولّي مهاجمة فئات سياسية عربية أو الخروج عن المسؤوليات الإسلامية نحو مسؤوليات أهداف وقتية غير ذات علاقة بالدين.. هذا الواقع الإسلامي هو الذي تمت بوجوده مشاريع التطوير الهائلة والمتعددة الأهداف والغايات في مجتمع يؤكد أبناء عصره الراهن ما كانت عليه الحياة الاجتماعية من عجز علمي واقتصادي، وتمكنت بعد ذلك أن تكون واجهة عربية متميّزة بل سريعة الاقتراب من دول الواجهة الكبرى بفضل ما هي عليه الحياة الاجتماعية من استقامة سلوكية حافظ عليها الاعتقاد الديني، وانطلقت بها كفاءات العصر الراهن..