إن كنتم نسيتم، فإني لا ولن أنسى عشرات المرضى الذين كانوا يترددون على عيادتي بعد انهيار الاسهم عام 2006 م، ولا أنسى قصصا كثيرة عشناها او سمعناها، ولكن الناس تنسى، واسمحوا لي ان اخبركم أن الزمان سيعيد نفسه فلا تصدقوا اننا تعلمنا او تبنا او استفدنا من اخطائنا، والايام القادمة ستشهد على ذلك..!! سوف تتحرك رغبات دفينة داخل كل نفس تحب رغد العيش بالمقامرة (المشرعنة) أقصد المضاربة بالاسهم، وسوف يتعاون مع النفس الامارة بالسوء كثير من المجتمع بكافة اطيافه ومثقفيه وعلمائه، كلهم سيتحولون الى قطيع يسوق قطيعا أخر، وكلهم سيحاول ان ينفخ في النار ليزيد لهبها، وسوف تتدحرج كرة الثلج وتكبر، وسوف يعيد الزمان نفسه فلا تصدقوا بأننا تعلمنا او استفدنا الا من رحم الله !!.. سيخرج عليكم مفسرو الرؤى ليخبروكم بأن كثيرا من الرؤى والمنامات تبشر بارتفاع الاسهم، وسيخرج علماء النفس والاجتماع ليخبروكم بأن ماحصل من خوف وهروب من السوق هو جبلة طبيعية في البشر ومرور السنوات الماضية كفيل وكاف لرجوع الثقة والامان النفسي، ثم يتحدث علماء الاعجاز والعسف القسري لرقاب النصوص المقدسة ليحلفوا لكم بأن السنوات العجاف التي أصابت مصر في عهد نبي الله يوسف هي سنة كونية ودورة طبيعية من دورات الاقتصاد وقد مضى منذ انهيار الاسهم سبع سنوات كاملات، وسوف يتقاطر المحللون الماليون وخبراء الاقتصاد على القنوات الفضائية ليتحدثوا عن فرصة العمر بمضاعفة الاموال وعن ارباح لا خسائر فيها، وبعد ان تنتهي برامجهم تبدأ برامج الافتاء المخصصة للاسهم فقط، وسوف تنقلب رسائل التواصل الاجتماعي بدل النكت والالغاز الى توصيات مخصصة لشركات مخصصة، وسوف تكثر الاعلانات عن دورات في تحليل الاسهم وطريقة الربح السريع، واعلانات بنكية عن تمويل مغر وميسر لشراء الاسهم دون قيد او شرط، وسوف تعود الناس لنفس الاسطوانة المجنونة فتبيع البيت وتفرط في الاملاك وترهن السيارات، لتذوق مع الذائقين حلاوة الربح السريع، فالجار اصبح من الاغنياء، وابن العم تملّك سيارة فارهة، وابن الخال رمز له البنك حسابه ليكون من عملاء التميز، وقتها سوف تنفتح شهية من نعدهم من الحكماء لأن يرموا بحكمتهم قليلا خلف ظهورهم ليغرفوا غرفة او غرفتين، وسوف يعطل العقلاء عقولهم يوما او يومين، وما دروا بأن ادمان الربح السريع اشد فتكاً من ادمان المخدرات، ولذلك لن يكتفوا باليوم الواحد ولا بالغرفة الواحدة ...!!.. مشكلتنا أننا مبالغون في كل شيء حتى في تهورنا وانتحارنا في طلب الرزق السريع حتى ولو كان الضحية هم الاسرة والضعفاء من النساء والاطفال، ولا تأتي الفكرة الا عندما تقع مصيبة الخسارة، ولات حين مندم، فقد تتحمل أنت مسؤولية تهورك في حق نفسك لكن ما ذنب من تعولهم، وما ذنب من أغريته بالدخول فيما لا يفقه ولا يعلم سوى ان يكون فردا من افراد القطيع؟ وما ذنب من قدمت له نصيحة الشراء او البيع باسم الفهم والعلم بحال السوق وانت لا تعلم عنه الا ما تسمعه في حديث المجالس؟ اسمحوا لي اليوم ان أستبق الاحداث، والايام القادمة حبلى يلدن كل عجيب، فثقافة الاستهلاك قتلت فينا صوت الحكمة وأجهزت على منطق العقول الراجحة، حتى أصبح الربح السريع كأساً مترعة بأم الخبائث فلا يمكن الاستغناء عن معاقرتها مهما حصل بعد ذلك.. أختم بقوله تعالى (معذرة الى ربكم ولعلهم يتقون) وعلى دروب الخير نلتقي..