من كان يحسب أن مجتمعه هو الأفضل والأكثر توازناً والتزاماً، فعليه أن يراجع نفسه قليلا لأن المجتمع الذي يرى نفسه كاملا ومتكاملا ويبني أحكامه على هذا الأساس هو إما أنه مجتمع غافل مستغفل، أو حالم معلق في الهواء بلا أساس راسخ له. في كل مجتمع وفي كل بيئة يوجد الصالح والطالح، السوي والمختل، المستضعف والمستقوي، القانون أوالأنظمه وحدها القادرة على عمل التوازن وحفظ الحقوق من ان تُستباح أو تمتهن. العنف الأسري وما يتضمنه من عنف ضد الزوجات او الأبناء ليس جديدا على المجتمع بل هو نتاج ثقافة تنامت بين بعض فئات المجتمع نتيجة الابتعاد عن الدين او الفهم الخاطئ له، لكن الحديث عنه الآن صار مقبولا حتى توالت القصص المفجعة التي عادة ما يكون الأب الملوم الأول فيها وضحاياها الأم والأولاد. آخر هذه القصص المحزنة المؤلمة هي قصة يزيد الذي قضى نحبه تحت التعذيب في مدينة تبوك لأنه لم يكن يسمع الكلام ، أو لأنه لم يكن يحفظ القرآن وغيرها من الأعذار الواهية التي تموّه السبب الحقيقي في قضايا العنف الأسري، وهو اختلال موازين القوى في الأسرة، استبداد الأب وضعف الأم هما أول الحكاية وهما نهايتها. مجتمعنا بما تربى عليه من أعراف وأنظمة سابقة سمح باستبداد الرجل أو الأب وامتهانه لحقوق الزوجة وأضعف من موقفها حتى صارت غير قادرة على حماية أبنائها، وأرضخها رغما عنها لواقع مر يستغله من لا يخاف الله ليعنفها ويعنف أولادها! ولو بحثنا في جميع قضايا العنف ضد الأطفال لوجدنا العامل المشترك فيها هو ضعف الأم وعدم حماية حقوقها مواطنة كانت أم غير مواطنة، قد يظلم الأب احيانا لكن من الصعب جدا على الأم أن تسمح له بذلك، بأن يظلم اولادها ما لم تكن ضعيفة يكمم فمها ويقيد يديها واقعها الذي جعل منها ضعيفة غير قادرة على الدفاع بسبب الأنظمة المتبعة في قضايا الأسرة. فإلى متى سنسمح بحصول مثل هذه الحوادث المؤلمة التي يتعذب فيها أطفال أبرياء ويلفظون أنفاسهم الأخيرة مقهورين معذبين متسائلين لماذا لم يكترث لحالهم أحد؟ ولماذا لم يقف معهم أحد؟ من يحمي الأطفال من ظلم آبائهم متى ما زاغوا عن الأسلوب السوي في التربية؟ ومن أعطى الحق أو الأمان لبعض الآباء السعوديين ليمارسوا العنف على أولادهم؟ ليس الأب وحده المسؤول في هذه القضية.. هنالك آخرون تشاركوا معه في الجرم هذا واقع يجب أن نواجهه لنحمي الأطفال من أي ضرر يمكن أن يطالهم. عم الطفل يزيد علل وحشية الأب وعنفه برغبة أبيه تأديبه وحضه على حفظ القرآن فهل هذا هو ما يأمرنا به ديننا أن نربي أبناءنا عليه؟ أن نقهرهم ونستبيح أجسامهم الغضة ونشوهها، أم أن نريق دماءهم البريئة سدى؟ الآباء القاتلون يجب أن يحاسبوا حسابا عسيرا مهما كانت حججهم، فلا ذنب لطفل بريء أنه ولد لأب مجرم ومن حقه علينا ان نحميه ونحمي أمثاله من المستضعفين وأمهاتهم لينشأوا أسوياء لا مجرمين مثل آبائهم..