يعتقد بعض مسؤولي الاستخبارات بأن إيران قد لا تهدف لصناعة قنبلة نووية، لكنها تسعى لترسيخ سياسة غموض استراتيجي، من خلال زرع الشك في نواياها النووية لدى الدول الأخرى، ما يتيح لها زيادة نفوذها الجيوسياسي عقد في الفترة من الثالث إلى السابع من حزيران /يونيو 2013 اجتماع لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، المؤلف من 35 دولة، جرت فيه مناقشة الملف النووي الإيراني، والتطورات الخاصة به. وخلال الاجتماع، عرضت الأطراف الستة الراعية للمفاوضات مع إيران، بياناً أكد وحدة موقفها. وهذه الأطراف هي ما يُعرف بمجموعة (5 +1)، أي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا. وقد رعت الدول الست سلسلة مفاوضات، تمت على عشر جولات، على مدى السبعة عشر شهراً الأخيرة، وكان آخرها في منتصف أيار/ مايو الماضي في فيينا. وفي خطاب ألقاه أمام المجتمعين، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، إنه رغم الحوار المكثف بين الوكالة وإيران، منذ كانون الثاني /يناير 2012، لم يتم التوصل إلى أي اتفاق حول وثيقة تنص على "مقاربة منهجية". وتحدث أمانو عن أهمية الوصول إلى موقع بارتشين العسكري قرب طهران، كما أشار إلى نقص في المعلومات حول مشاريع مفاعلات بالماء الثقيل، وخصوصاً في آرك، قد تتمكن إيران عبرها من إنتاج البلوتونيوم المستخدم لأغراض عسكرية. وفي المجمل، تطالب الوكالة بالوصول إلى مواقع، وأشخاص ووثائق، أكثر مما هو مسموح لها حتى الآن، وهو ما أشارت إليه في قرارها الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، الذي أعدت فيه لائحة عناصر قالت إنها تشير إلى أن إيران عملت على انجاز سلاح نووي قبل العام 2003 وربما بعد ذلك. وفي تقريرها الأخير، الصادر في 22 أيار/ مايو 2013، كشفت الوكالة عن قيام طهران بتسريع عملية نصب أجهزة طرد مركزي أكثر حداثة، في موقع ناتانز لتخصيب اليورانيوم. وقال التقرير إن إيران قامت بتاريخ 15 أيار/ مايو بتركيب نحو 700 جهاز طرد مركزي من طراز (IR-2M)، إضافة إلى أغلفة لأجهزة طرد مركزي فارغة، وذلك مقابل 180 جهازاً في شباط/ فبراير من العام نفسه، كما تم انجاز أعمال تحضيرية لثلاث عشرة مجموعة متسلسلة أخرى. وتدور أجهزة الطرد المركزي بسرعة تصل إلى سرعة الصوت، لزيادة نسبة النظائر المشعة في اليورانيوم. ويُمكن لأجهزة الطرد المركزي الجديدة تنقية اليورانيوم بسرعة أكبر عدة مرات من الجيل الذي كانت تستخدمه إيران. وحسب أولي هاينونين، الذي عمل حتى العام 2010 نائباً للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران بدأت في شراء مواد خاصة مطلوبة لتصنيع أجهزة طرد مركزي جديدة قبل سنوات، عندما كانت العقوبات المفروضة عليها أقل تشدداً مما هي عليه الآن. وقال هاينونين: "هناك ما يدعو للاعتقاد أن إيران يمكنها تصنيع ثلاثة آلاف من أجهزة (IR-2s). وكانت طهران تحاول، على مدى سنوات، تطوير أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً من أجهزة (IR-1)، المنتجة في سبعينيات القرن الماضي. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، فإن هذا الطراز من أجهزة الطرد المركزي من شأنه تمكين إيران من تحويل اليورانيوم، المخصب بنسبة تقرب من 20%، إلى يورانيوم مخصب بمعدل عال في غضون أسبوع تقريباً، بما لا يُمكّن مفتشي الوكالة من اكتشافه قبل زيارتهم التالية للمواقع النووية الإيرانية. وكان قد كشف النقاب، في 27 آب/ أغسطس من العام 2011، عن منشأة إيرانية لإنتاج ألياف الكربون، وهي مادة استراتيجية لبناء أجهزة الطرد المركزي الخاصة بتخصيب اليورانيوم، وكذلك لإنتاج أغلفة خفيفة الوزن لمحركات الصواريخ، العاملة بالوقود الصلب. وفي سياق مواز، تشير التقارير الدولية إلى أن إيران تحرز تقدماً، على ما يبدو، في بناء مفاعل أبحاث، قد يتيح لها طريقاً ثانياً لإنتاج مواد تستخدم في صناعة السلاح النووي، إن هي قررت ذلك. وقالت هذه التقارير إن إيران أكملت تقريباً تركيب دائرة تبريد وتنظيم في محطة نووية تعمل بالماء الثقيل بالقرب من بلدة آراك. وأعلنت إيران أن مفاعل آراك سينتج نظائر تستخدم في المجالين الطبي والزراعي. وأنها تعتزم تشغيله في الربع الأول من العام 2014. ويُمكن لهذه المحطة إنتاج حوالي تسعة كيلوغرامات من البلوتونيوم سنوياً، وهو ما يكفي لإنتاج قنبلتين نوويتين. ولكن قبل أي استخدام للبلوتونيوم في إنتاج سلاح نووي، يتعين فصله أولاً عن أي وقود غير مشع. وبحسب التقارير الدولية، فإن طهران أنتجت في الإجمال 324 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، أي بكمية أكبر من ال 240 كيلوغراماً الضرورية لصنع قنبلة نووية. وعلى الرغم من ذلك، فقد حولت نحو 40% من هذا المخزون لإعداد وقود لمفاعلها الخاص بالأبحاث الطبية. وبصفتها دولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، تطالب إيران بحق التخصيب لغايات مدنية حتى 5% لإنتاج الكهرباء، وحتى 20% للأبحاث العلمية. على صعيد التسويات المتداولة، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر 2012، أن إيران طرحت على الولاياتالمتحدة "خطة التسع خطوات" لحل الأزمة النووية. وهي تقوم على اقتراح قُدم للمسؤولين الأوروبيين في تموز/ يوليو 2012، ويدعو إلى تفكيك تدريجي للعقوبات، مقابل وقف الإيرانيين العمل في واحد من موقعي تخصيب ما يُسمى ب"اليورانيوم المخصب بنسبة 20%". ووفقا للخطة، لن يكون هناك وقف لإنتاج اليورانيوم المتوسط التخصيب بموقع فوردو، الموجود على عمق كبير داخل الأرض، إلا بعد أن يصل الإيرانيون إلى الخطوة الرقم 9 في الخطة. وقد رفضت واشنطن الخطة الإيرانية، وقال مسؤول أميركي إن الطريقة التي وضعت بها تتضمن تحريك الوقود مع الاحتفاظ به داخل البلاد، كما تضمن لإيران استئناف البرنامج في ثوان، ولا تلزمها بالإجابة عن أي سؤال يوجهه مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول قيامها بأبحاث حول تكنولوجيا الأسلحة النووية، وتعطيها، في الوقت ذاته، الحق في الحصول على بيان من الوكالة بأن جميع القضايا قد تمت تسويتها. في المقابل، طالبت الولاياتالمتحدة بأن توقف إيران إنتاجها فوراً لليورانيوم المخصب بنسبة 20%، ونقل المخزون إلى خارج البلاد، وإغلاق مفاعل فوردو، مقابل التعاون في بعض المشروعات النووية المدنية، وعدم فرض عقوبات جديدة في مجلس الأمن الدولي، لكن العقوبات التي تضغط على الاقتصاد الإيراني ستظل سارية حتى الوصول إلى اتفاق نهائي. وفي شباط/ فبراير 2013، قدمت مجموعة (5 +1)، خلال اجتماعها في كازاخستان، عرضاً لطهران يطالبها ب "تعليق" بدلاً من "وقف" أنشطة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، ويقترح في المقابل تخفيف بعض العقوبات على تجارة الذهب، وقطاع البتروكيميائيات. وتطالب الدول الست بإغلاق موقع فوردو للتخصيب، الوحيد الذي لا يمكن ضربه عسكرياً، وإرسال مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% إلى الخارج. وفي تقرير سنوي للكونغرس الأميركي عن التهديدات الأمنية، صدر في 12 آذار/ مارس 2013، قال رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية الأميركية، جيمس كلابر، إن إيران حققت تقدماً في العام 2012، ومن ثم أصبحت في وضع أفضل لإنتاج اليورانيوم المناسب لصنع السلاح النووي، إذا ما قررت ذلك، من خلال محطاتها ومخزونها. وقال كلابر: لا نعرف ما إذا كان الأمر سينتهي بأن تقرر إيران صنع أسلحة نووية. ولكنه استدرك قائلاً إنه يستبعد ذلك. وسبق أن أكد تقييم للمخابرات الأميركية في وقت مبكر من العام 2011، وجهة النظر التي قال بها تقرير مماثل صدر عام 2007، ومفادها أن إيران أوقفت جهودها لتطوير وبناء قدرات عسكرية نووية منذ العام 2003. ويعتقد بعض مسؤولي الاستخبارات بأن إيران قد لا تهدف لصناعة قنبلة نووية، لكنها تسعى لترسيخ سياسة غموض استراتيجي، من خلال زرع الشك في نواياها النووية لدى الدول الأخرى، ما يتيح لها زيادة نفوذها الجيوسياسي. ووفقاً لبعض الخبراء الأميركيين، فإنه لا يبدو أن إيران قررت بالفعل تصنيع أسلحة نووية. في المقابل، رأى بعض المحللين الأميركيين أن إيران قد تقرر "العبور إلى العتبة النووية"، بدلاً من التفاوض على حل وسط. كذلك، يعتقد بعض الخبراء في واشنطن أنه حتى لو امتلكت إيران ما يكفي من اليورانيوم العالي التخصيب، لصنع سلاح واحد، فإنها ربما تبقى في حالة انتظار، وجمع ما يكفي لبناء ترسانة صغيرة، إذ إن سلاحاً واحداً قد لا يكون مفيداً لخلق معادلة ردع نووي..