حرب الدعاية بين الشرق والغرب، انعكست آثارها على العالم كله، فصار الانقسام حتمياً في التبعية لأي من القوتين، والوطن العربي تأثر بتلك الدعايات، فذهب جزء من الدول للغرب، وجزء آخر للشرق، وكانت الشيوعية الخطر القائم في ذهن العربي والمسلم عندما وصفت الأديان بأفيون الشعوب، وقيمة المقدس عند الإنسان من ثوابته الذاتية، وقد كانت القطيعة مع الدول الشيوعية أكثر منها الغربية، رغم استعمارها لمعظم المنطقة العربية.. نحن امتداد آسيوي، وكنا مع الطرف الذي يلتقي مع سياساتنا وأهدافنا، إلاّ أن المقاطعة مع الصين الشيوعية وفيتنام، وبقية الدول الدائرة في الفلك الشيوعي خلقت عزلة طويلة، ولم تكن تملك القاعدة الاقتصادية التي تلبي احتياجاتنا، لكنها بعد الإصلاحات التي قام بها «دينج هسياو بنج» بدأت الصين تحتل الواجهة الاقتصادية التي ترشحها لأنْ تكون الأولى عالمياً، ونحن في المملكة سعينا لأنْ تتخطى العلاقات موروث العقود الماضية، إلى ترسيخ أرضية جديدة تدفع بالبلدين إلى التعاون والمشاركة المفتوحين، وبالفعل أصبحت المملكة أهم شريك تجاري واقتصادي مع البلد الكبير في المنطقة وربما خارجها. السياسة لا تغيب عن أي بلد مهما كان حجمه لأنها مرتبطة بعالم أكبر كأن تتعامل الصين مع إسرائيل مثلاً، بشكل يؤثر في أمن ومصالح المنطقة، فهي هنا ستوضع في موقعها الإيجابي والسلبي، وهذا يؤثر في عوامل مختلفة، لكن صين اليوم، ربما آثرت الابتعاد عن إثارة المشاعر الوطنية والقومية، لتستبدل السياسة بالسلعة بغض النظر لمن تذهب طالما تحقق مصلحة ذاتية لها.. لا يوجد كيان كبير كالوطن العربي، ذهب ضحية السياسة عندما تقدمت على الحريات والتنمية، لتصبح الخازوق الذي جعلنا عرضة للانقسام بين القوى المختلفة.. ولعل المملكة التي سعت لأنْ لا تكون شرقية أو غربية في اتجاهاتها إلاّ ما يحفظ أمنها وأهدافها رأت في الصين والهند وبقية الدول الآسيوية عمقها الجغرافي والتاريخي، وبالتالي ليس من المنطقي أن تنحاز لأي طرف دولي أو إقليمي، بل إن آسيا هي اللاعب القادم وفق ترشيحات مراكز البحوث في الغرب والشرق، وأن قواعد القوة تُرسم بها، لأنها القارة الأكبر مساحةً وسكاناً، ووفرة في الإمكانات، وهناك عامل التحدي الذي جعل تلك الشعوب ترفض التصنيف الجائر بأنها خارج مدار الحضارة المعاصرة التي لا يمثلها إلاّ العنصر الأبيض، وهي كذبة يحاول من فلسفوها التبرؤ منها أمام شواهد الواقع الجديد والذي جعل المواطن الآسيوي معجزة بذاته في انضباطه وإبداعه.. العالم لم يعد بذلك الاتساع، الذي تفصله المساحات اليابسة والمائية، إذ اختزلته التقنيات بما يشبه القرية الواحدة، وحين نتجه لآسيا فنحن هنا نذهب لها بدون ذكريات تاريخية مؤلمة كالتي صنعها بنا الغرب، لكننا لا نحصر أنفسنا في طيف معين أو جغرافيا محدودة، طالما الجميع في حالة عولمة فرضتها طبيعة العصر، ولذلك صار التداخل الاجتماعي، بالسياسي والاقتصادي عوامل قربت الشعوب من بعضها وغيّرت النظرة التقليدية التي كانت القوة الأعظم هي من يفرض نفوذه وحتى تعدد الأقطاب قد لا يكون نسيجاً من الماضي، بل إن تقارب القوى سيفيد البشرية كلها ومنها وطننا العربي وعالمنا الإسلامي..