الارتياح الشعبي الذي يحظى به مؤتمر الحوار الوطني الشامل، المؤمل منه الوقوف بمسؤولية وطنية عالية أمام مشكلات اليمن، وتعقيدات الوضع القائم، وتشخيص الأسباب والمُسببات التي أدت إلى الوضع الراهن المليء بالصعوبات والمخاطر المهددة لكيانه الواحد الموحد، ومن ثم الوصول إلى علاج ناجع ينهي كل الأمراض والمشاكل التي تُعاني منها اليمن، ذلك الارتياح الشعبي المعزز بالدعم الإقليمي والدولي يتجسد اليوم في التفاعل الخلّاق في أوساط المتحاورين أنفسهم، وفيما تشهده الساحة اليمنية من تفاعل وحراك سياسي وثقافي وفكري غير مسبوق، والذي تقوم به منظمات المجتمع المدني ومراكز ومؤسسات الدراسات والبحث العلمي في عموم الجمهورية لإثراء عملية الحوار بالآراء والملاحظات والتصورات النابعة من حقيقة الواقع المُعاش، والمعبرة عن هموم المواطنين البسطاء وتطلعاتهم وآمالهم في إنقاذ اليمن وتجنيبه المخاطر الكبيرة المحدقة به - إن لم يتفق اليمنيون على كلمة سواء - ويعملوا على إيجاد مخرج آمن من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وبما من شأنه إقامة الدولة المدنية الحديثة القائمة على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والحكم الرشيد والتبادل السلمي للسلطة واحترام حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير والقبول بالرأي والرأي الآخر.. وفي إطار الديمقراطية التي تكتمل في ظلها البنية المؤسسية للدولة اليمنية المنشودة، ليصبح الشعب ليس مصدر السلطات وحسب، وإنما شريك حقيقيّ في اتخاذ القرار وتنفيذه على الصعيد السياسي والاقتصادي والتنموي والاجتماعي، في تكاملية مفتوحة وواضحة لحلقات البناء والنهوض الوطني الشامل بما يمكّن اليمنيين من مواكبة المتغيرات، ويحقق لهم أهداف التغيير المنشود الذي طالما انتظروه كثيراً، وناضلوا من أجله وقدّموا التضحيات الجسيمة في سبيله، واستيعاب المتطلبات والاستحقاقات الوطنية برؤية سياسية ثاقبة تعيش الحاضر بواقعية وموضوعية، وتستشرف آفاق المستقبل بقدرة مرنة تستطيع من خلاله التعاطي مع مستجدات الظروف والأوضاع الداخلية والخارجية على نحو ينعكس إيجابيّاً لمصلحة التوجهات والتطلعات الوطنية التي تصب في إتجاه الأمن والاستقرار والتنمية والحفاظ على كيان اليمن الواحد، والنأي به عن مآسٍ وويلات الصراع والحروب والتمزق والشتات، وتجسيد مفهوم الشراكة الوطنية الحقيقية بين مختلف القوى الحزبية والسياسية وكل مكونات المجتمع في الساحة اليمنية، باعتبار أن مسؤولية النهوض بالوطن يجب ألا تكون من مسؤولية حزب أو تنظيم أو تيار أو مكوّن بعينه، وإنما من خلال الشراكة الوطنية التي ينخرط فيها كل أبناء اليمن وكل قواه الوطنية والحزبية والسياسية والشبابية والاجتماعية الفاعلة والحريصة على سلامة الوطن وتقدمه وازدهاره. ان الظروف الراهنة المُعاشة في اليمن التي أفرزتها تداعيات الأزمة التي شهدتها خلال عامي (2011 و 2012)، وما تخللها من صراعات كارثية وما أحدثته من دمار وتخريب نفسي ومادي، فرضت على اليمنيين الاتفاق على إجراء التسوية السياسية والالتزام بتنفيذ كل استحقاقاتها الوطنية وفي مقدمتها -وهو الأهم- اعتماد الحوار سبيلاً لحل كل المشاكل وحلحلة كافة القضايا من خلال الجلوس على مائدة واحدة ليس فيها منتصر ولا مغلوب، وهو ما يفرض على الجميع إدراك أن مهمتهم في مؤتمر الحوار عظيمة وجسيمة ولابد أن يتحقق لها قدر من النجاح مهما كانت الصعوبات والتباينات والاختلافات، وأن يضعوا نصب أعينهم أن قطار التغيير يسير بسرعة عالية إذا لم يتداركوه ويلحقوا به فإنه سيتجاوزهم وبالتالي سيكون اليمن هو الخاسر الأكبر، وسيكون اليمنيون سبباً رئيسيّاً في انهيار وطنهم وتدميره والقضاء على كل أمل لدى المواطن اليمني في أن يسود حياته الأمن والاستقرار والحرية والكرامة، وأن يعيش مطمئناً في ظل دولة قوية بمؤسساتها الدستورية المختلفة، وبنظامها الديمقراطي الحُر، وبدستورها وقوانينها التي تحفظ للجميع حقوقهم في الحياة الكريمة الطاردة لكل أنواع التسلّط والجبروت والخوف، وصيانة أعراضهم والحفاظ على ممتلكاتهم وأن يكون الجميع أمام القانون سواء. ان على كافة القوى السياسية والحزبية وكل المتحاورين أن يدققوا حساباتهم جيداً، وأن يحسموا خياراتهم وتحديد مواقفهم قبل أن يتجاوزهم الزمان الذي لن يعود إلى الوراء، والذي ليس بإمكانهم توقيفه عند محطة مصالحهم الذاتية الأنانية والحزبية الضيقة، فأعاصير الأحداث وعواصف التحولات الكبرى ماثلة أمام الجميع، ولا تحتاج إلى عمق التفكير وبُعد الرؤية، بل تحتاج للمتابعة الاعتيادية لإدراك صوابية توجهات تجذير وترسيخ مفهوم التغيير الإيجابي الذي يشعر من خلاله كل أبناء اليمن وبمختلف شرائحهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية أنهم لم يعودوا موعودين بالتغيير فقط، بل مسئولون عن تحقيقه، وأي محاولات للتهرّب من الاستحقاق الوطني في التغيير المنشود ليس أكثر من مراوغة يائسة تعكس منطقاً أخرق ومأزوماً يصادر على الشعب حقه في التغيير والوصول إلى المستقبل الأفضل.